هناك نقاط عدة يمكن من خلالها الاستدلال على ملامح القصور الواضح في الدستور العراقي الدائم منها :
1 – التدخلات الخارجية و خصوصا تدخلات الاحتلال الامريكي و التي اتخذت الصيغ الاتية :
– وضعت قوات الاحتلال الامريكي سقفا زمنيا ضاغطا لعملية الانتهاء من كتابة الدستور الدائم حسب المادة ( 61 ) من قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية الذي سنته , و التي نصت على تكليف الجمعية الوطنية الانتقالية المنتخبة بكتابة الدستور الدائم و الانتهاء منه في 15 آب 2005 . و للعلم انتهينا من كتابة الدستور ليس داخل لجنة كتابة الدستور انما في اجتماع ضم قيادات الصف الاول من العملية السياسية و بعد انتهاء المدة القانونية بحوالي نصف ساعة . حيث عقدت الجمعية الوطنية جلستها المخصصة للتصويت على الدستور في الساعة الثانية عشرة من ليلة 15 آب 2005 و الدستور وصل في الساعة الثانية عشرة و النصف بعد منتصف الليل .
– فرضت قوات الاحتلال الخيار الفدرالي في العراق في المادة الاولى من الدستور رغم انعدام الثقافة الفدرالية في العراق . حيث لم يتعاطى الشعب العراقي و القوى السياسية العربية مع هذا المفهوم الجديد على الثقافة العراقية بأستثناء التعاطي الايجابي الكردي مع هذا الخيار . ان هذا الفرض السياسي اثار جدلا و خلافا عميقا حول شكل الدولة العراقية لم ينته لحد الان .
– لم تسمح قوات الاحتلال باعتماد الخيار الثيوقراطي في العراق و فرضت الخيار الديمقراطي رغم انه يتعارض مع اطروحات القوى الاسلامية المهيمنة في حينه و ذلك في مواد دستورية متفرقة منها ( المادة الثانية , فقرة ب / المادة 6 / ) . ان ذلك ربما يكون ايجابيا لكنه احدث شرخا في مصداقية القوى الاسلامية الحاكمة .
– فرضت قوات الاحتلال اعتماد المكونات الاجتماعية أسا للدولة بدلا من اعتماد معيار المواطنة ( المادة 3 ) , الامر الذي شكل قصورا واضحا في الدستور .
– فرضت قوات الاحتلال عدم تعاطي اي حكومة عراقية مع الاسلحة النووية و الكيميائية و البايلوجية و كل ما يمت لها بصلة ( المادة 9 فقرة هاء ) . و بذلك شلت القدرة العسكرية العراقية في عالم يتسابق حول تلك الاسلحة .
– فرضت قوات الاحتلال حرية العقيدة خلافا للشريعة الاسلامية ( المادة 42 ) اي ان الدستور كفل حرية الانتقال من ديانة الى اخرى , و هذا الحق ربما يؤثر على هوية العراق العربية الاسلامية .
– فرضت قوات الاحتلال كوتا النساء في مجلس النواب 25 % ( المادة 49 فقرة خامسا ) رغم انها لا تتسق مع نسبة النساء المتعلمات و خبراتهن في العراق و لا نجد لهذه النسبة مثيلا حتى في البلدان الغربية المتقدمة .
2 – و من اوجه قصور الدستور انه لم تكن رئاسة اللجنة من ذوي الاختصاص في القانون الدستوري . و مما عزز من اوجه هذا القصور ان اغلب اعضاء اللجنة لا يمتلكون تخصصا في القانون الدستوري ايضا . لذلك نلحظ عدم الدقة في اللغة و في استخدام المفاهيم و المصطلحات . و اتسمت تلك النصوص احيانا بالمصطلحات العاطفية او الميول السياسية او الطائفية .
3 – و من اوجه قصور الدستور خلو لجنة كتابة الدستور من تمثيل اهل السنة العرب تمثيلا حقيقيا , رغم انهم يشكلون مكونا فاعلا في ارث الدولة العراقية . اذ ان اضافة 15 عشر عضوا من اهل السنة العرب الى اللجنة لم يكن كافيا لأنه لم يكن لهم حق التصويت باحتساب انهم من خارج مجلس النواب .
4 – تدني مستوى الثقافة الديمقراطية و ثقافة التأسيس لدى اغلب قيادات العملية السياسية باستثناء القوى الكردية ترك اثرا واضحا في فصور الدستور و اضفاء المصطلحات العاطفية على ملامحه .
5 – ضعف الثقافة الشعبية الدستورية احيانا و عدم الاكتراث احيانا اخرى ادى الى قصور واضح في الدستور . حيث لم يعترض الشعب على اي مادة اساسية و لم يفرض أي مادة اساسية بل مررت عليه بعض المواد التي الحقت الضرر به .
6 _ اداء القوى الكردية شكل احد اوجه القصور في الدستور لأنهم كانوا يكتبون الدستور معنا لكن أعينهم على مشروع الدولة الكردية و توفير المقدمات اللازمة للدولة الكردية من خلال الدستور . و لذلك نجحوا في تثبيت مبدأ ازدواجية اللغة في المخاطبات الرسمية ( المادة 4 ) و نجحوا في التأسيس الى فدرالية اقرب الى الكونفدرالية ( الباب الخامس – الفصل الاول ) . و اسسوا لوحدة وطنية هشة ترتكز على الدستور فقط ( المادة 1 ) و التي نصت على ان هذا الدستور ضامن لوحدة العراق رغم ان وحدة العراق اعمق من ذلك بكثير .
7 – ساهمت القوى الشيعية ايضا في وضع نصوص ادت الى قصور واضح في الدستور منها :
– الغاء الانتماء الى الامة العربية ( المادة 2 فقرة ثانيا – و المادة 3 ) رغم ان نسبة السكان العرب في العراق تصل الى حوالي 80 % . و هذا الاجراء احدث شرخا في هوية العراق الجامعة .
– تأييد دولة المكونات بدلا من دولة المواطنة ( المادة 3 ) افضى الى صراعات اجتماعية متعددة .
– اعتماد المعايير المذهبية في الاحوال الشخصية و في الشعائر الدينية ( المادة 41 – و المادة 43 ) بدلا من المعايير الاسلامية الجامعة ادى الى انشاء اوقاف دينية متعددة , الامر الذي ولد نزاعات حول الكثير من الاوقاف الاسلامية .
– فكرة اقليم المحافظات الشيعية التسعة الذي طرحه السيد عبد العزيز الحكيم ساهم بأضعاف سلطات الحكومة الاتحادية لصالح سلطات الاقليم ( الباب الرابع و الباب الخامس ) رغم ان العراق بحاجة دائمة
الى حكومة اتحادية قوية لتكون قادرة على الحفاظ على وحدته الوطنية . لذلك ساهم هذا التوجه السياسي في احداث احد اوجه القصور في الدستور العراقي الدائم .