17 نوفمبر، 2024 11:24 م
Search
Close this search box.

ما الذي يدفع الناس للانخراط في صفوف دولة “الخلافة”؟

ما الذي يدفع الناس للانخراط في صفوف دولة “الخلافة”؟

وهل باتت برغم استراتيجيتها تفقد الناس؟
بقلم باميلا اينجل “بزنس انسايدر”
وجد تنظيم داعش قدرا من الاستقبال الشعبي في العراق وسوريا عند مجيئه واعلانه قيام ما اسماها دولة الخلافة الاسلامية العام الماضي، غير ان معظم هذا الدعم لم يكن نتيجة للقناعة والانتماء بقدر ما انه يعود الى رغبة معظم الناس البقاء على قيد الحياة والعيش عوضا عن الدعم الموثوق لعقيدة المليشيات المتطرفة التي يتبناها التنظيم المتشدد.

لقد امكن لمراسلين صحفيين غربيين عدة ان يحاوروا عشرات من الناس الذين عاشوا في كنف حكم داعش في العراق وسوريا ليجدوا ان الكثير من الناس انخرطوا في الجماعة الارهابية نتيجة للاحباط والافتقار لأي خيارات اخرى في حياتهم.

ان نوعية الحياة بالنسبة لمقاتلي داعش وعوائلهم تعد بكل بساطة افضل بكثير من هؤلاء الذين لا ينتمون للجماعة ويعيشون في المناطق التي تحكم سيطرتها عليها ضمن ما تعرف بدولة الخلافة الاسلامية.

تحدّث خبراء مطلعون وسكان محليون لمجلة نيوزويك الشهر الماضي قائلين ان الفجوة الكبيرة بالدخل ما بين مقاتلي داعش وعامة السكان المدنيين الذين يدفعون الضرائب لسلطات التنظيم بغية تمويل انشطته ومرتبات مقاتليه.

والى جانب الضرائب، فأن الناس يدفعون اكثر مقابل الغذاء، حيث ارتفعت الاسعار الى 3 اضعاف في بعض المناطق، الامر الذي دفع بعض الرجال الى الانتماء الى التنظيم ليصبحوا مقاتلين فيه بغية توفير ما يستطيعون لأفراد عوائلهم.

يقول ياسين الجاسم البالغ من العمر 52 عاما، والذي فر من منزله القائم في مدينة الرقة عاصمة دولة التنظيم في سوريا بحكم الامر الواقع، يقول معلقا “ليس هنالك من عمل، الامر الذي يضطرك الى الانخراط في صفوفهم كي تتمكن من العيش.” ويضيف كذلك “لقد انخرط العديد من السكان المحليين في صفوفهم، حيث دفع الجوع هؤلاء لذلك بلا شك.”

كما ان تنظيم داعش يستغل احباط الناس بغية دفعهم للانخراط في صفوفه. يقول جاسم انه في الوقت الذي كان لا يزال يعيش فيه في المناطق تحت سيطرة تنظيم داعش، فأن افراد المليشيات حاولوا رشوته كي يدفع ولده ليصبح مقاتلا في صفوف التنظيم المتطرف. وكان حفيد الجاسم البالغ عامين من العمر يعاني ورما في دماغه،

وان هذا الورم سيكلف 800 دولار لعلاجه، حيث عرض المتطرفون دفع المبلغ لولده مقابل انخراطه معهم. والى جانب الغذاء والرعاية الصحية، فان احتياجات الحياة اليومية الاخرى باتت اصعب واقل توفرا في المناطق التي تخضم لسيطرة داعش.

يقول سيف سعيد، وهو طالب لطب الاسنان فر الى بغداد شهر حزيران الماضي، يقول لمجلة نيوزويك ان سعر لتر الوقود في مدينة الموصل التي يسيطر عليها التنظيم قفز من 450 دينارا الى 2500 دينار، كما ان اسطوانة غاز الطبخ قفزت من 6000 دينار الى ما يزيد عن 30000 دينار. وقد اوردت مصادر متعددة تفاصيل مماثلة لوسائل اعلام اخرى.

وعن هذا الموضوع، كتب كيفين سوليفان من جريدة واشنطن بوست يقول “لقد تسبب تنظيم داعش بخلق نظام من صفيّن يكافح الناس في احدهما كي يحصلوا على لقمة العيش، فيما يتنعم الصف الاخر ممثلا في مقاتلي تنظيم داعش المحتلين، يتنعمون بالكهرباء والغذاء المجاني، فضلا عن المنتجات المستوردة الاخرى بما فيها مشروبات الطاقة مثلا!”.

ولا يتمتع مقاتلو داعش بكهرباء وغذاء مجانيين وحسب، وهو ما بات امرا بالغ الصعوبة لباقي السكان في دولة الخلافة، و أنما يحصل هؤلاء المقاتلين على رعاية صحية افضل كذلك. واشارت جريدة الواشنطن بوست الى ان بعض المستشفيات لا تقدم الرعاية الصحية الا لمقاتلي التنظيم وبأفضل انواعها بالتحديد.

كما ان الفرار من دولة الخلافة ليس بالأمر السهل حيث ان التنظيم يتبع استراتيجية مصممة لإبقاء الناس فيها.

فحسب تقرير صدر عن مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية انه اورد مؤخرا “ان من مصلحة تنظيم داعش ان يمنع حصول هجرة جماعية من قبل السكان الذين يعيشون تحت سيطرتهم بسبب ان ذلك سيقوض من صورة مشروع بناء الدولة المتماسكة التي تريد دولة الخلافة بثها للعالم.” كما اشار المركز قائلا عبر تقريره “بغية تحقيق ذلك الغرض، عمد تنظيم داعش الى زراعة عبوات ناسفة عبر مخارج المدن التي يحكم سيطرته عليها مثل الفلوجة والرمادي، وذلك لمنع هروب الناس من تلك المناطق، فضلا عن ان ذلك يخدم الهدف الاكبر الذي ينشده التنظيم ممثلا في منع تقدم قوات الامن العراقية لاستعادة تلك المناطق.”

لكن حتى مع هؤلاء الذين انخرطوا في صفوف تنظيم داعش بدافع الاحباط، فأن دولة الخلافة لا تزال تفقد الناس بوتيرة متسارعة. فقد اشارت مجموعة شركة صوفان للامن الاستراتيجي الشهر الفائت الى ان عددا متزايدا من الناس يفرون من المناطق

التي يسيطر عليها تنظيم داعش بوتيرة تتجاوز وتيرة من ينخرطون في صفوفه. وحسب تقرير صدر عن هذه الشركة انه اشار “ضمن مسعى منها لتغيير عقلية وافكار الناس الذين يرومون الخلاص من قبضة التنظيم عوضا عن العيش في كنفه، فأن جماعة داعش عمدت الى رفع ومضاعفة جهود حملتها الدعائية التي تستهدف هذا الموضوع”.

واضافت صوفان في تقريرها “ان طبيعة الصور المبعثرة والمتفرقة التي بثتها جماعة داعش في رسائلها الاعلامية الاخيرة، سواء في اوقات الغضب حينما استنكرت واستهجنت مسيرة اللاجئين الهاربين، او اثناء اوقات تصريحها بحكمة البقاء ضمن حدود دولة خلافتها التي تصورها كجنة السماء على الارض، فأن ذلك التحول انما يظهر طبيعة وحقيقة الاحباط الذي تشعر به هذه الجماعة المتطرفة التي تشبه كيانا على شكل مخطط هرمي اكثر من كونها حكومة دولة حاكمة بالفعل.”

أحدث المقالات