كنا نسمع سابقا ممن هم اكبر منا سنا وهم أيضا سمعوا من آبائهم واجدادهم ان الاجيال القادمة ستمر عليها الايام والسنين بسرعة لا يشعرون بها وقتها كنا نستغرب عندما نسمع مثل هذا الكلام ولجهلنا صغارا حسبنا ونحن المصدقين ولا يمكن ان تكذب ابوك او جدك او جدتك وهم القدوة والمثل لك كنا نعتقد ان الساعات ستقل واليوم لا يستمر اربع وعشرون ساعة والسنة ستقل ايامها والا ما تفسير مثل هذا الكلام …
مرت الايام والسنين وفعلا كل منا يتذكرا قبل عام او عاميين ويتحدث عن ايام كأنها مرت بالامس الحقيقة والثابت استمر اليوم 24 ساعة والسنة 365 يوم والعام يعيش اربع فصول والشهر ثلاثين يوما لكن هذا الشعور بسرعة مرور الايام هو بسبب التعقيدات الحياتية وكذالك وسائل الألهاء واقصد ليس اللهو او اللعب بل ماطرا على حياتنا من تغييرات جعلت الوقت يمر علينا بدون الانتباه عليه اما بسبب العمل (اللهطة) او بسبب المشاكل اللذي عاشها العراقيون لكن وان مرت الايام بتلك السرعة كما قالت (حبوبتي) نبقى نتذكرها ولايمكن ان تنسى الايام وخاصة القريبة بمرورها اما تلك
التي مرت علينا بأحداث عظيمة وما اكثرها لايمكن ان تفارق الذاكرة حتى لو اردنا انتزاعها فهل من الممكن ان تنسى الحروب التي مرت على العراق او القحط او الفيضانات او الحصار او سقوط النظام البعثي او مرور الاوبئة على العراقيين خاصة تلك التي تحصد الارواح حصدا مثلا هل يمكن ان ينسى اهل بابل مرض (ابو زويعة) التي حدثتنا عنه (حبوبتي) وكانت تتحدث عنه وكأنه مر عليها بالامس وتنقل لنا اسماء الناس اللذين توفوا بسببه او حتى اسم الدكتور(الدختور) حتى كانت تصف لي حالات عجيبة وبعد ذالك عرفت ان (ابو زويعه) لكثرة القيء اللذي يمر به المريض سمي هكذا هذا ما هو
الا مرض ككل الامراض البكتيرية التي تصيب الجهاز الهضمي وخاصة الامعاء الدقيقة(المصران) وهذه البكتريا تتكاثر بطريقة تسمى التكاثر القيسي فتقوم بعدها بأفراز السموم فتؤثر في عمل الأمعاء فتبدأ بفرز السوائل والاملاح بصورة سريعة جدا عن طريق الفم وكذالك الإسهال المائي وهذا كله مصحوب بآلام في البطن والذي يؤدي الى الوفاة هو فقدان السوائل والأملاح والتي تؤدي بدورها إلى خلل في وظيفة الكلى والفشل الكلوي، وصدمة فقدان سوائل قد تؤدي إلى الوفاة في حالة عدم التعويض السريع لهذه السوائل المفقودة …
اي ان المرحلة الاولى لأنقاذ المريض المصاب (بأبو زويعة) هذا هو تعويضه للسوائل الذي فقدها ليس الا وهذه ما اسهلها وتبين لنا اليوم ان تلك الرواية التي هي اعظم من اي فلم امريكي مرعب كل يوم تقصها علينا جدتي رحمها الله هي مرض الكوليرا والكوليرا مرض عافته الدول ولم تعد تتحدث عنه ولم يمر على اي شعب متحضر متنور بعالم النظافة وتناول الغذاء والماء النظيف وبما ان العراقيين في زمن اجدادنا كانوا لا يهتمون كثيرا بالنظافة ويتناولون الماء للطهي والشرب من الانهار والسواقي والبرك القريبة هم وحيواناتهم وعدم وجود التوعية الصحية والارشاد الطبي اصبح
هذا المرض جار لهم لأنهم نعم الجار ولا يمكن لهم ان ينسوا جارهم حتى لو كان الجار هو مرض ابو زويعة…
في صيف العام 2008 ويا سرعة الايام ومرورها واضافة سبع اعوام على سنيننا تذكرنا هذا المرض لأنه صاحب اجدادنا الحليين فأعتراه الحنين لأحفادهم مر علينا هذا المرض وخاصة في مناطق جنوب بابل والقرى التابعة لقضاء الهاشمية وبدأ يعبث بارواح الاطفال وكانت كل عناصر وجوده متوفرة من مسكن وملبس وأمعاء وبيئة جيدة لا يمكن ان يتركها بعد ان طردته اكثر الشعوب تخلفا فوجد التخلف الصحي وبأمتياز عند العراقيين فهاجر من تلك الشعوب الى الشعب العراقي كما تهاجر طيور السنونو والزرازير والبط وطيور الماء الاخرى جاء هذا الزائر المفروض علينا ليعيد الكرة ثانية
ومر كل هذه الاعوام واليوم يطرق هذا الزائر ابواب اهل بابل ثانية لأن كل متطلباته موجودة ولم تتغير فالماء الاسن والراكد التي يستخدمها الكلب والانسان لازالت كما هي وجفاف الانهار وعدم تشغيل مشاريع الماء لعدم وجود المصادر المائية خاصة تلك المشاريع التي وضعت على اذناب الانهار وفي (البزايز) وفوق كل هذا وذاك فأن هذا العام هو عام جفاف ايضا لعدم هطول الامطار او قلتها في بعض المناطق …
حقيقة الامر ان العراق يمر اليوم بنقص هائل في كميات المياه بسبب عدم هطول الامطار كما اسلفنا وثانية شحة مياه الانهار بسبب عدم حصول العراق على حصصه من الدول المتشاطئة معه على نهري دجلة والفرات وبناء السدود على هذين النهرين من قبل تركيا اللذان يعتبران هما المصدر الرئيسي للمياه في العراق يؤدي ذالك الى شحة المياه وعدم حصول المواطن الريفي على مياه نظيفة صالحة لاستهلاكه ويعني هذا توقف مشاريع الماء في تلك المناطق …
ان اللذي مر علينا في العام 2008__2007 احتمالات مروره هذا العام واردة وكبيرة جدا وربما تصل الى نسب عالية جدا اذا لم تتهيا الحكومة العراقية والجهات الصحية والبلدية والوزارات المعنية وتضع الخطط الناجعة وتوفير المياه المناسبة للشرب او ايجاد البدائل للمواطن العراقي اللذي يشعر اليوم بأن تلك الجهات لم تحرك ساكن سنوات مرت منذ الوباء السابق فلم يجد اي تغير نحو عدم ورود الكارثة مجددا …
انتماء المواطن لتلك الارض يجعله متمسك بالبقاء فيها خاصة وهو ورث المكان من الاباء والأجداد لذا يجب ان تفهم الحكومة العراقية ان الارض عند القروي العراقي هي اثمن من روحة فلا هجرة نحو المدن لتلافي الخطر والابتعاد عنه وعليه يجب على الحكومة الاستفادة من الاخطاء السابقة واستثمار الوقت المتبقي قبل حلول الجفاف وارتفاع درجات الحرارة التي هي اهم نقطتين لعودة المرض فما عليها الا تجهيز الماء الصالح للشرب عن طريق السيارات الحوضية وتوفير المواد المعقمة للمياه كالكلور والشب والحبوب المعقمة وتهيئتها لأعطاءها للمواطن مجانا وكذالك اعداد
الفرق الطبية لزيارة تلك المناطق التي حصلت فيها الكارثة لأعادة التقييم والترقييم ومن ثم بناء مجمعات مائية ينقل الماء لها عن طريق السيارات الحوضية وملئها وديمومة بقاءها نظيفة واذا تطلب الحال ومن الآن النظر بتهيئة المستشفيات السيارة خوفا من العودة الكارثية الحزينة لهذا الوباء أضف الى ذالك ان توفير المستلزمات الطبية لمعالجة المرض ذات الصلاحيات المتأخرة وتهياتها في اماكن ملائمة امر لابأس به لأنقاذ ارواح الناس والتي نعتقد انهم بدأوا يخشون عودة ابو زويعة الى مناطقهم خاصة تلك المناطق النائية وفي جميع أجزاء العراق …
وقد اعذر من انذر والايام تمر بسرعة..
وفصل الصيف يغادر والمرض يأبى المغادرة .