قد يبدو الحديث الآن عن تبرئة القضاء وابراز الدور المشرق في تاريخه الطويل وكفاحه في تثبيت وترسيخ استقلاليته ووقوفه ضد الارهاب في وقت تتهاوى عليه الاتهامات من كل حدب وصوب تحت مسمى “نَخَرَ الفساد جسدَ القضاء العراقي ” وقد يراها البعض بانه مخالفة للواقع، لكن مادفعني الى الخوض في هذا الطرح هو الالحاح المهول والهجمة الغير المبررة على القضاء وبالاخص على شخص القاضي مدحت المحمود دون الالتفات الى مظاهر الفساد الاخرى.قلة قليلة هي من تعرف حجم المخاطر التي تنتظر البلد في حال تصديق او الانجراف وراء هذه الهجمة الشرسة.
هذا الكلام لا يعني نكران وجود مظاهر فساد في بعض مفاصل السلطة القضائية، فالسلطة القضائية جزء من مرحلة عاشها العراق، نحن ابناء هذه المرحلة والمرحلة السابقة، ظروف العراق ضربت مفاصل كثيرة في البلد، واثرّت بشكل كبير على كل الادوار لارتباطها ببعضها.وكان ذلك واضحا من خلال كلام رئيس السلطة القضائية القاضي مـدحت المحمود، وان ادراكه الاشياء بهذه الطريقة هو بحد ذاته يعتبر جزءا من الحل.وبذلك فان المطلوب من كافة الجهات، وبصورة خاصة على الجهات الاعلامية والاعلاميين العراقيين ان يكون تركيزهم على ما يمثل للعراق نقطة بيضاء تسعى من خلاله كل المؤسسات الا ان يكون جزءا من الحل، والتقليل على ما يكون جزءا من المشكلة. يعني ان نقطة سوداء على صفحة بيضاء،من المجحف الحكم على الصفحة بالسواد، وانما العمل عــــلى امحاء هذا النقطة بتعاون وتكاتف الجميع.
الجميع يعرف ان التظاهرات بدأت شرارتها بمطالب خدمية بسيطة تمس الحياة الشخصية للمواطن من توفير الخدمات والماء والكهرباء، وهذه حقوق مشروعة للمواطن ،الاانه وبنظرة حيادية دقيقة لمسار التظاهرات تبين لنا انها اخذت مسارا اخر. غير المسار الحقيقي التي انطلقتمن اجله.هناك بعض المتضررين من القضاء بما لايقبل الشكحاول استغلال هذه التظاهرات والقفز على اكتاف البسطاء في تحقيق غايات اخرى.
ومن أجل دراسة الموضوعبشفافية عالية نحتاج الى الاجابة على تساولات مهمة منها، من المتضررمنالقضاء؟ وهل هناك اضرار وقعت من القضاء على مواطنين بسطاء ام على
شخصيات او جهات سياسية او اجتماعية ؟ ومن المستفيد من اسقاط القضاء وجعله سلطة مسيرة ؟ وماذا قدم القضاء العراقي مابعد عام 2003 ؟
ان المعادلة هي كالاتي “
شخصيات سياسة فاسدة + تسيس القضاء + تسويف وتسقيط انجازات القضائي= قضاء فاسد
ان نتيجة هذه المعادلة هي نتيجة حتمية لمعادلة موضوعة تروم فئة متضررة من القضاء تريد تحقيقها
وهذه الفئة عادة لاتكون من عامة الشعب وانما يكون اما احد المحكومين بقضايا ارهاب او احدى الشخصيات المتنفذه في الدولة والتي ثبت عليهم قيامهم او اشتراكهم بجرائم ارهابية او فساد مالي وتم اصدار احكام قضائية ضدهم. كما ان هذه الفئة تحاول سحب القضاء الى ساحتها من خلال تسيسه وخرق استقلاليته لضمان تسهيل القيام بعملياتها الاجرامية تحت غطاء قانوني يخدم مصالحها فقط وهذا ما يسمى تسيس القضاء.
اما ما يتعلق بتسويف وتسقيط انجازات القضاء ما بعد عام 2003 فهناك عدة مسارات تتخذها هذة الفئة لتشويه صورة القضاء العراقي وتسقيط انجازاته، والاستهانة بها فمنهم من اتخذ من بعض وسائل الاعلام مزامير للتطبيل والترويج والتحريض وتنظر الى الامور بعين واحدة وهي عين الانتقاد والاسقاط.
وهناك من استغل التظاهرات وساعد على تغيير مسارها الحقيقي والتركيز على القضاء وتحديد المطالب بــ”اقالة شخص مدحت المحمود” وكــأن فساد المنظومة القضائية العملاقة يكمن في هـــــذه الشخصية دون الالتفات الــى المطالب الحقيقية التي تمس الامور الحياتية للمواطن من كهرباء وماء وخدمات اخرى.
وبوضع النقاط على الحروف والنظر بالعين الاخرى التي اغلقتها بعض وسائل الاعلام (العين البصيرة).دعونا نمر مرورا سريعا على بعض قرارات المحكمة الاتحادية والتي طبقت فيها مفهوم الحيادية تطبيقا واضحا وصريحا منها ما اصدرته في قرارها المؤرخ 25/3/2010 والذي فيه انتصرت المحكمة لارادة الناخب من خلال تفسيرها للكتلة الاكبر من الدستور، اذ تولت المحكمة تفسير المادة (76) بما يتفق مع روح النص ومنطوقه وقد تم فعلا الأخذ بهذا التفسير وتم انهاء ازمة تشكيل الوزارة في ذلك الوقت وكذلك بموجب نفس القرار تم تشكيل الحكومة الجديدة . كما ادانت المحكمة رئيس مجلس الوزراء وذلك بتسجيل مخالفة قانونية ضده لتأجيله عملية اجراء التعداد العام للسكان بقرارها الصادر في التاريخ 1/2/2010 . وايضاً ساهمت المحكمة ذاتها في انقاذ البلد من فراغ دستوري كامل من خلال الزامها رئيس مجلس النواب العراقي (الاكبر سنا) بقطع الجلسة الاولى المفتوحة للمجلس واستئناف انعقادها لانتخاب رئيس للمجلس ونائبين له ومن ثم انتخاب
رئيس الجمهورية ليكلف بدوره مرشح الكتلة النيابية الاكثرعددا لتشكيل الوزارة ومباشرة المهام الدستورية في الدولة.