من غير الواضح للأن ان كانت الخطة التي أرست معالمها وثيقة التفاهم بين الالمان والروس والفرنسيين مؤخرآ، ان كانت ستنجح بايجاد حلول مقبولة بخصوص وقف القتال والمعارك والسير بوثيقة سلام بين الحكومة الاوكرانية والمعارضين لها باقليمي دونيتسك ولوغانسك شرقي اوكرانيا، البعض يعول الان على المجهود الالماني الذي تبنى هذا الطرح منذ البداية، وبدأ بالفعل الجهد الالماني سريعآ فقد بدأت ميركل أتصالات فعلية مع الرئيس الاوكراني بيترو بوروشينكو ونائب الرئيس الأمريكي جو بايدن لوضع أطر عامة لخطة سلام في شرق اوكرانيا تضمن وقف القتال بدونتيسك ولوغانسك والوصول الى حلول سلمية لايقاف الصراع والتوتر بالشرق الاوكراني، والذي افرز بدوره حالة غير مسبوقة من التصعيد منذ تسعينات القرن الماضي بين الشرق والغرب ، وتحديدآ بين واشنطن وموسكو.
هنا وبهذه المرحلة بالتحديد، لايمكن لإي متابع أن ينكر مدى وحجم الخلاف الدائر حول اوكرانيا، وخصوصآ بين واشنطن وموسكو، بعض المتابعين يدركون جيدآ أنه بهذه المرحلة تحديدآ فأن كلا الدولتين الروسية والامريكية تعيشان الان بحالة حرب سياسية ساخنة جدآ قد تتطور مستقبلآ لصدام عسكري غير مباشر ، وعلى الاغلب سيكون مسرح هذا التصادم العسكري هي الأراضي الشرق أوكرانية الانفصالية وتحديدآ من مدينتي دونيتسك ولوغانسك أو شؤاطى شرق المتوسط ، وما يعزز هذا الطرح مادار من حجم خلاف على هامش قمة العشرين بالعام الماضي، فبعد قمة ساخنة جدآ عاشتها مدينة بريزبين الأسترالية، بدأ واضحآ مدى أتساع رقعة الخلاف بين موسكو من جهة، وواشنطن وحلفائها الغرب أوروبيين من جهة أخرى حول الملف الاوكراني تحديدآ ، وقد بلغت ذروة هذه الخلافات المتصاعدة ، حينما صدق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأواخر كانون الأول من العام الماضي على الصيغة الجديدة للعقيدة العسكرية الروسية والتي تعتبر حشد القدرات العسكرية للناتو من أهم الأخطار الخارجية ، مع أن قيادة حلف الناتو بعثت رسالة فورية لموسكو قالت فيها ان موسكو ليست هدفآ مستقبلي للحلف.
الواضح للأن ان حجم الجهد الالماني المستمر منذ شهور، قد اصابه بعض الانتكاسات بالفترة الماضية، فموسكو تخشى من عواقب وخطورة خسارتها لورقة قوة تملكها لصالح الغرب وهي أوكرانيا ، فاليوم هناك تأكيدات تصدر من موسكو على استعداد روسي لعملية عسكرية مفاجئة داخل اوكرانيا في اي وقت تقدم فيه القوات الاوكرانية مدعومة بقوة غربية باقتحام مدينتي دونيتسك ولوغانسك، شرقي أوكرانيا واللتان تقعان تحت سيطرة معارضين للحكومة ألأوكرانية ، وبنفس الوقت هناك تأكيدات من قبل قادة ما يسمى “بحلف الناتو ‘على عدم السماح لروسيا باحتلال أي جزء من اوكرانيا “وفق تعبيرهم “، وهذا ما اكده آولاند وكاميرون ، واكد عليه باراك اوباما فقد قدم الرئيس الامريكي ضمانات للرئيس الاوكراني بيترو بوروشينكوعلى ان الغرب لن يسمح للروس باستباحة ارض اوكرانيا على حسب تعبيره ولو كان الثمن لذلك هو الدخول بحرب مفتوحة وشاملة مع الروس.
الالمان بدورهم يعون كل هذه الحقائق، ويعرفون ان الوصول الى مسار تفاهمات بين الاطراف المتصارعة بالشرق الاوكراني، تحتاج الى تفاهمات بين الاطراف الدولية لتطبيق فعلي لمسار هذه التفاهمات على الارض، فالروس لايمكن ان يتنازلو عن ورقة الشرق الاوكراني لصالح الغرب، والغرب وتحديدآ حلف “واشطن – باريس -لندن “، لايمكن بهذه المرحلة ان يتراجع عن هدفه الرامي لاخضاع الروس، فالالمان يدركون ان الروس يواجهون مشروعآ غربيآ الهدف منه تقويض الجهود الروسية في الوصول الى مراكز قوى جديده لدفع الروس إلى الانكفاء الى الداخل الروسي، كما يدرك الالمان ان واشنطن قد رمت بالفترة الاخيرة بكل ثقلها السياسي والاقتصادي في محاولة لتقويض الجهود الروسية في التوسع في تحالفاتها واتساع مراكز القوه ونفوذها الدولي شرقآ وشمالآ.
مجموع هذه التعقيدات تدفع بعض المتابعين للقول انهم لايعولون على الجهد الالماني الساعي لبناء وثيقة تفاهم دولية قادرة على ضبط ايقاع الصراعات الدولية بما ينعكس على حلول سريعة لمعظم الازمات المحلية والاقليمية والدولية ، وهنا يمكن ان يطرح البعض بعض التساؤلات ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ان الالمان يدركون ويعون حجم التعقيدات الدولية وحجم الصراعات بين موسكو وواشنطن بخصوص الملف الاوكراني تحديدآ فلماذا يقومون بمحاولات غير بناءة وعنوانها الفشل على الاغلب لتقريب وجهات النظر بين موسكو وواشنطن اللتان تعيشان الان على ايقاع حرب باردة جديدة، قد تتطور مستقبلآ لصدام عسكري ؟؟ ، فما الهدف من كل هذا الجهد الالماني ؟؟.
للأجابة على السؤال أعلاه ، سنعود إلى الماضي القريب ونبحث فيه عن بعض المعلومات التي ستعطينا بعض الاجابات عن الاهداف المستقبلية للمسعى الالماني ، ففي مطلع العام الماضي 2014 وفي قمة الخلاف الروسي الامريكي حول اوكرانيا أجرت مؤسسة “كوربرا” دراسة حول مواقف الألمان تجاه السياسة الخارجية الألمانية ، وكان عنوان سؤال الاستطلاع للمشاركون “مع أي بلد ينبغي أن تتعاون ألمانيا في المستقبل “، وحينها جاءت نتائج الدراسة صادمة للنظام الالماني تحديدآ فقد جاءت النتيجة شبه متساوية بين الشرق والغرب، حيث اختار ما يقرب من 46٪ الولايات المتحدة، بينما اختار روسيا 43٪ ” ، بنفس العام أيضآ اجرت مجلة “شبيجل” الالمانية استطلاعآ مشابها لاستطلاع “كوربرا” وقد سئل الالمان حينها “عن موقفهم من النظام الامريكي وعلاقة المانيا بامريكا”، وحينها قال 57٪ من الألمان بأن بلادهم ينبغي أن تصبح أكثر استقلالآ عن الولايات المتحدة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية ، الواضح من خلال نتائج هذه الاستطلاعات لاراء الشعب الالماني، مع انها قد لاتكون مؤشرآ ثابتآ، ان هناك أنقسام بالداخل الالماني حول موقف المانيا من صراع موسكو –واشنطن.
بنفس العام 2014، تصاعدت ايضآ حملة الخلافات الاعلامية والامنية بين برلين -واشنطن ، وخصوصآ بعد خيبة أمل الشعب والنظام الالماني من الأمريكيين بسبب أنشطة المراقبة المستمرة التي فضحت السياسة الاستخباراتية التي تستهدف وتراقب انشطة الداخل الالماني ، وخصوصآ بعد فضيحة تصنت وكالة الأمن القومي الامريكية على الهاتف المحمول لميركل، هذه الظروف بمجموعها دفعت برلين بالفترة الاخيرة للحذر بتعاملها مع واشنطن ، وقابل هذا الحذر مزيدآ من الانفتاح على موسكو، رغم التصريحات الحادة التي تنطلق من برلين احيانآ اتجاه موسكو، ولكن من الواضح لجميع المتابعين بالفترة الاخيرة حجم الانفتاح الشعبي والسياسي الالماني على موسكو ،،هذه العوامل بمجملها وبكل تداعياتها قد تكون اعطتنا بعض الاجابات عن حقيقة المسعى الالماني الهادف الى ايجاد نقاط التقاء بين الاطراف الدولية بخصوص الصراع بشرق اوكرانيا ، فبرلين عملت بجهد بالفترة الاخيرة ومازالت تعمل لتحقيق هدفها هذا ، ولكن لن تعمل طويلآ بهذا الاتجاه، فهي الان تقوم بعمل بالونات اختبار لنوايا الاطراف الدولية المتصارعة ، لتحديد موقفها المستقبلي من كل ما يجري من صراعات دولية، وان كانت بالفعل ستبقى للابد بخندق واشنطن ، اما انها ستقرر وتحت ضغوط شعبية التوجه إلى الشرق وتحديدآ الى موسكو.
ختامآ ،أن الموقع الجغرافي لبرلين قلب اوروبا يحتم عليها باحيان كثيرة ان تكون مسرحآ، لصراعات دولية وومسرجآ أخر لحل هذه الصراعات رغم حجم الضرر الكبير الذي لحق بالشعب الالماني منذ مئة عام مضت ولليوم، ومثل هذه الجملة كان المستشار الالماني السابق جيرهارد شرودر يكررها بشكل دائم، ، فقد تيقن الالمان منذ آمد أن موقعهم الجغرافي، ومبادئهم ومواقفهم ستكون دائمآ عرضه للتساؤل، ولهذا هم اليوم قرروا ان يخوضوا صراعآ جديدآ يبدأ ببناء مسار تفاوضي بين القوى الدولية المتصارعة بمحاولة لتسوية الازمات الدولية العالقة فيما بينها ، وان فشلت ببناء هذا المسار التفاوضي، فهي على الاغلب ستذهب نحو قرارات جريئة بالذهاب نحو موسكو وهذا ما قد يصدم بعض حلفائها بواشنطن وباريس ولندن ، وهذا ما لايريده حلفاء برلين بهذه المرحلة تحديدآ ، ولكن برلين لن تحتمل طويلآ وهي الان بصدد تحليل ماجاء لها من معلومات من خلال بالونات اختباراتها التي طرحتها بالفترة الاخيرة لمعرفة نوايا الاطراف الدولية المتصارعة ، فهل سنسمع قريبآ عن قرارات جريئة لبرلين تعلن من خلالها الخروج من تحت عباءة واشنطن لتستلقي بكل ثقلها ومكانتها الدولية تحت عباءة موسكو ؟؟! ، من هنا سننتظر الاشهر الثلاث المقبلة لتعطينا اجابات واضحة عن كل هذه التكهنات والتساؤلات ، فالقادم من الايام يحمل بطياته الكثير من المتغيرات بالمواقف الدولية وبجملة ومشاهد الصراع الدولي حول موازين القوى الدولية ،وشكل العالم الجديد.