تكاد رواية الطيب صالح “موسم الهجرة الى الشمال” اشهر ما كتب عن العلاقة التي كانت ومازالت ملتبسة بين الشمال والجنوب والشرق والغرب. الفارق الزمني بين رؤية الطيب لهذه العلاقة وبين الهجرة “غير الشرعية” الان تكمن في ان بطل الرواية مصطفى سعيد كان هو “الفاتح” لاوربا .. اي المنتصر. اما اليوم فإن أوربا التي توصف بالقارة العجوز هي المتفضلة علينا.
اذا كان مصطفى سعيد بطلا فإن الأمر الان لايحتاج الى بطل على حد قول نورمان شوارسكوف بطل عاصفة الصحراء عام 1991. تلك العاصفة التي أسست الى ما بعدها من نتائج على المنطقة والعالم كان من بينها نشوء “النظام العالمي الجديد” طبقا لتوصيف جورج بوش الاب. إذا تخطينا رؤية هنري كيسنجر عراب الدبلوماسية الاميركية في القرن العشرين بشأن سمات هذا العالم الجديد على صعيد الرؤية الإستراتيجية, فإن فرانسيس فوكاياما في كتابه “نهاية التاريخ” وصموئيل هنتنغون في “صدام الحضارات” كانا قدر عبرا عن حقيقة هذا النظام الذي حمل خرائطه معه ليعيد تقسيم منطقتنا بمختلف تضاريسها الى شرق اوسط جديد.
لا نريد الإنسياق خلف نظرية المؤامرة. لكن المعطيات والدلائل تشير الى ان هناك مخططات ترمي الى إحداث فراغ شامل هنا. ومن بين تجليات ذلك التركيز على هجرة الشباب والى اوربا بالذات التي باتت قارة عجوزا تحتاج الى طاقات لتجديد شبابها. فطبقأ لنسب النمو السكاني فانه في الوقت الذي تكاد ترتفع معدلات هذا النمو في مناطق عديدة في العالم في المقدمة منها افريقيا وكذلك في العالم العربي فان اوربا تنخفض فيها معدلات النمو السكاني بحيث اصبح كبار السن هم الغالبية من سكانها.
واستنادا لمعدلات الهجرة الجارية حاليا وبصرف النظر عن كل الملابسات المحيطة بها بمن في ذلك قوارب الموت ومافيات التهريب والنظرة العنصرية في هذا البلد الاوربي او ذاك فانه في حال استمرت الهجرة بشكل او باخر ففي غضون اقل من عقد او عقدين سيكون بوسع اوربا تجديد طاقاتها.
اوربا العجوز حاليا تحتاج الى ان تعيد تصدير ماسوف تستوعبه من طاقات شبابية الى العالم من جديد لكي تنافس القوى الاقتصادية الصاعدة بشكل صاروخي في عالم اليوم بالقياس الى التراجع الاوربي مثل الصين والولايات المتحدة الاميركية والهند والبرازيل.
الهجرة الى اوربا سوف لن تستمر الى الابد بحيث يخشى الاوربيون تغييرا ديموغرافيا. لكنها بالتاكيد سوف تخضع للتقنين وقد بدات مؤشراته. فالدول الاوربية بدات تضع معايير محددة لهذه الهجرة العشوائية حاليا. وبلا ادنى شك سوف يركز الاوربيون على الفئة العمرية والطاقات العلمية وهو مايعني انهم سوف يضربون عصفورين بحجر واحد.. سلبنا طاقاتنا الشبابية باسم الامان والانسانية واسداء نوع من الفضل علينا و”على الخلفونا” بحيث نجبر على رفع صور ميركل بالتظاهرات.