قراءة بسيطة في الواقع السياسي للمنطقة العربية، ولن نذهب بعيداً هذه المرة، فلن نحتاج الى تحليل كثير من الوقائع التاريخية، سنعود الى القرن الماضي، وهو ليس عنا ببعيد، فنحن أبناءه.
كان أخر ما تبقى من الخلافة الإسلامية والمتبجحين بها، هي الدولة العثمانية، ولم تكن تمثل في كيانها حتى القشور للخلافة الإسلامية، ولا تمت بأية صلة إلى الإسلام، سوى الإسم والرسم، فتم القضاء عليها بهدوء من قبل الآخر(لا نريد أن ندخل في بحث الآخر، فله بحثه الخاص).
حين إنتفض المسلمون على خلافتهم وأسقطوها، تم الإتفاق على تحويل الخلافة إلى مملكة، وأُنشأت المملكات في المنطقة العربية، فأمتدت من الخليج إلى المحيط، وإستطاع الملوك إنشاء دولة بمعنى الكلمة، ذلك أنهم ظمنوا أنهم باقون، ومن سيتغير هو رئيس الوزراء(بالانتخابات)، وشُرَّعت القوانين، فسارت الحياة بصورة طبيعية، فالناس يحبون ملكهم، وإذا حدثت تظاهرة، فهي لا تمس الملك، إنما الوزارة، والملك بكل سهولة ويسر، وتحت الضغط الشعبي، يُطيح وزارة ويقيم أُخرى.
لم يرق للآخر أن تكون شعوب ودول العالم الثالث متحضرة، خصوصاً وهي ترقد على كنوز الأرض، فبدأوا بإغتيال أُي ملك يعمل لصالح شعبه، بمعنى أن له إتجاه وميول نحو الزعامات الشعبية(التي كان أغلبها من شريحة الإسلاميين) أو يعترض على سياسة الآخر الخارجية، فتم التتخطيط لتحويل جميع حكومات دول المنطقة، إلى حكومات علمانية، وبقناعة تامة من شعوبها طبعاً.
هنا جاء دور الدكتاتوريات، التي فرحت الشعوب بقدومها، وما زالت تُمجدها، حتى ذاقت وبال أمرها، طوال تلك السنين، ولا أُريد أن أدخل في تحليل التحولات الفكرية السياسية، لدى الشعب وزعامته من جهة، والحكومات من الجهة الأُخرى.
أصبحت الشعوب تبحث عن حلٍ للخروج من تحت وطأة تلك الدكتاتوريات، والآخر يتفرج وخُططه تُنفذ وبالحرف الواحد، لكنه خاف أن يدخل بتنفيذ مشروع العلمانية مباشرة، خصوصا وأن الشعوب الإسلامية رسمت تصوراً مخيفاً لها، فجاء بمشروع الديمقراطية في أزمة تخلف الشعوب، ونكرانها لذاتها، في ظل حكومة الدكتاتوريات المتعاقبة، التي هدمت الدولة، تلك التي أُنشأت في حقبة المملكات.
هنا بدأت تتضح الحلقة الاخيرة من اللعبة، حيث لم تحقق الديمقراطية طموح الشعوب، فالديمقراطية أوصلت الأحزاب الإسلامية إلى السلطة، وقد فشلت هذه الأحزاب في إدارة الحكم، هذا ما شاهدناه في العراق ومصر، على وجه الخصوص، وللعبةِ أبعاد كثيرة، وليس هنا محل ذكرها.
إن الشعوب وزعاماتها الدينية وغير الدينية، ستطالب بحكومات علمانية، عاجلاً أم آجلاً، وهي مسألة وقت ليس إلا، قد تمتد لبضع سنين.
إن العلمانية ليست فلم رعب، وإنما هي كشف للإنسان عن ذاته، فلماذا لا يكون الإسلامي إسلامياً بدون حكومة إسلامية!؟ وكذلك القومي أو صاحب أي فكر آخر!؟
إن العلمانية تدعو أن يعيش الإنسان كإنسان، له خصوصيته، ويشارك مجتمعه، بينما تعمل الأنظمة الأُخرى على إنتهاك بل إنهاء خصوصية الأفراد.
بقى شئ…
هل العلمانية حقيقة أم وهمٌ وحُلمٌ لا يستطيع الإنسان تحقيقه!؟