التدخل الروسي في الازمة السورية كشف الغطاء تماما على الضعف العربي ، وعجزه في مواجهة الاحداث العاصفة بالمنطقة بعقلية سياسية ذكية تبعدها عن الانتكاسات المستمرة ، وفشله في تبني موقف موحد عبر جامعته العربية التي تحولت الى منبر للعزائم والموائد الفخمة دون ان يخرج من وضعها الهزيل لكي يدرك ابناء العرب عظمة هذه الجامعة .،التي وجدت لتكون مرجعية سياسية كبيرة لأمة العرب ، تعود عليها متى ما برز خلاف او مستجد سياسي يتطلب حضورها ، وتتكفل ان تفتح الافاق امامها ، وتحضر الحلول والمعالجات وتستقر بها على شواطئ الامن والأمان والتطلع الى المستقبل …
لست هنا بصدد الدفاع عن الجامعة العربية ولا بصدد كشف عن عوراتها امام ألملأ ولكن سير الاحداث بما هو عليه الان يدفعنا الى القول ان روسيا على ادراك تام بان العرب قد فقدوا المبادرات كلها بشأن سوريا، وهم بانتظار الفرج لهذه الازمة التي طالت امدها بعد ان يأس المجتمع الدولي من معالجتها رغم الامكانات المادية الهائلة التي فتحت لأمريكا لضرب داعش وإجباره على التقهقر ومن ثم الانتقال بإعادة الحياة الطبيعية لها ،
الملفت للنظر ان العرب انشغلوا ببشار اسد وكيفية اسقاطه أكثر من بقائه في السلطة ، في حين انه يتمتع بسلطة قوية رغم الضربات التي تلقاها خلال فترة الحرب التي افقدته سبل البحث عن السلام ، بمعنى ان دخول روسيا الى جانبه في حربه من اجل البقاء قد تعزز تماما ولم يعد بمقدور هذه الجماعات الضالة من النيل منه او المساس بكرسي حكمه طالما هنالك انقسامات في الرأي داخل شلة معارضيه حول كيفية ادارة الحرب والخلاص من نظامه السياسي
اذن …ان روسيا قد ادرك اللعبة وتهيأ لها بكل ما يملك من قوة ، واستطاع ان يجد موطئ قدم له داخل الاراضي السورية وأمام انظار المجتمع الدولي دون ان يتأثر بالأقاويل الخارجة من هنا او هناك ، ويرسم استراتيجيته الحربية بهذا الخصوص ، ويبدأ بضرب داعش بشكل عنيف جداً ويزرع الخوف في صفوفه بقوته الجوية الضاربة التي يعرفها الجميع ، وهذا يعني ان التدخل الروسي في سوريا لن يكون نزهة كما يتصورها البعض بل جاء لكي يحقق هدفا عجز عنة امريكا والغرب من تحقيقه ، وان داعش قد نفاجأ بحجم اللعبة التي يلعبها روسيا ، وبدأ يعيد من حساباته الاستراتيجية التي تبنته خلال بروزه كقوة لا يستهان بها ، بمعنى ان داعش سيواحه معضلة قوية في وقوفها امام روسيا ، وان التحالف الرباعي التي ابرمته روسيا مع الدول الاربعة ، العراق وايران وسوريا سيكون لها تاثيرا مباشرا على سير العمليات العسكرية في سوريا ، وان هذا التحالف سيظهر دوره كاملة حين يطلب منه العراق بضرب قواعد داعش في العراق ، وان المستقبل القريب سيحمل اكثر من مفاجأة لداعش في ظل هذا التحالف التي ابرم بمعزل عن امريكا …
…لذلك فان روسيا قد اختارت التدخل المباشر في الشأن السوري بعد ان تيقنت تماما ان تنظيم داعش الارهابي سوف لن يستثنيه من المعادلة ، وان القادم في اجندات هذا التنظيم هو ايجاد الارضية المناسبة للترويج لأهدافه الخاصة بالدولة الراشدة في عموم المنطقة ..لهذا فان الابواب الموصدة امام الروس قد فتحت على مصراعيها ليثبت حضورها في المنطقة ، وان امتعاض تركيا من تدخلها في سوريا سوف لن يغير من الآمر شيئا ، وان مسالة الخروقات الروسية لمجالها الجوي لن يثنيه عن السير نحو اهدافه المرسومة ، وعلى تركيا ان يتحمل وزر تداخلاته المستمرة في شان الدول المجاورة لها ….
ومن هنا يبدو ان الامر واضح جداً بالنسبة للتدخل الروسي في سوريا .هو قطع الطريق امام المد الداعشي الذي وجد نفسه في المنطقة ، وقبر محاولاته الرامية بهذا الشأن ، وإنقاذ المنطقة من شره الذي لا يقف عند حد معين وإنما يمتد الى حدود الغير المسموح بها ،