الهجرة الجماعية للشباب والعوائل العراقية التي تحدث الآن بعد موافقة العديد من الدول الأوروبية بقرار جماعي على فتح أبوابها للعراقيين بالهجرة نتيجة الظروف القاهرة والانتهاكات الانسانية وخطر حروب الارهاب وتردي الأوضاع الأمنية التي يتعرضون لها هي حالة خطيرة ويجب أن يقف عندها السياسيون والحكومة لأنها تعتبر وصمة عار في جبينهم سيذكرها التاريخ للأجيال القادمة, ويجب عليهم الإسراع في دراسة وتحليل المشكلة من جميع جوانبها وتحديد الأسباب الحقيقية لها ووضع الحلول السريعة لايقاف هذه الهجرة الجماعية الخطيرة وخاصة للشباب والكفاءات الذين هم عماد المستقبل وأملنا في تغيير الواقع المظلم الذي نعيش فيه نتيجة سوء الادارة وانتشار الفساد والتناحرات الطائفية والمذهبية والقومية التي زرعوها في مجتمعنا مع سبق الاصرار والترصد.
الانسان السوي عندما يترك وطنه ويتخذ قراراً مصيرياً بأن يترك كل شيء وراءه ويهرب الى المجهول ويشد رحاله ويأخذ معه عائلته وأطفاله في طريق محفوف بالمخاطر والموت ويجوب بهم البحار والغابات والجبال ويعرضهم للمذلة والتهلكة هو أمراً ليس بالهيّن وقراراً ليس باليسير, بل جاء محصلة لتراكمات كبيرة جداً أوصلته الى مرحلة اليأس من واقع مرير صنعه السياسيون والحكومة ووصل الى قناعة تامة بأن التغيير أصبح مستحيلاً وهذا مادفعه لاتخاذ مثل هذا القرار المصيري وجعله يترك كل شيء ويترك قلبه وذكرياته وأقربائه وأصدقائه ويهاجر.
أقول للأصوات النشاز التي بدأت تتعالى وتلقي باللوم على كل من هاجر وتتهمهم بانعدام الوطنية والانتماء للعراق وتركهم الوطن عرضة للارهاب الذي يهدد أمنه واستقراره وتركهم واجبهم المقدس في محاربة هذا العدو الشرس وانهم هاجروا طلباً للترف واللذات واللهو, أقول لهم بأنه لايوجد انسان عاقل في هذا الكون لايحبّ وطنه ويرتبط به بكيانه ومشاعره لأنها مسألة فطرية تولد مع الانسان ويرضعها مع حليب أمه وتنمو هذه المشاعر مع نموه ومع زيادة حجم الذكريات والعلاقات الاجتماعية حتى تصبح وشيجة قوية مزروعة في القلب والنفس لايمكن لأحد أن يؤثر عليها وتجعله يتعذب ويتألم كلما ابتعد عن الوطن وهذا الكلام يشعر به ويعرفه المغتربون الذين تتفطر قلوبهم وتنهمر دموعهم من الحنين للوطن برغم الفترة الطويلة التي ابتعدوا بها عنه وهو مايجعلهم يتذكرون أدق التفاصيل الاعتيادية في الوطن ويتحرقون شوقاً لها, فحب الوطن والانتماء له ليس موضوع للنقاش والمزايدة فكفى تشكيكاً وتوزيعاً للاتهامات ولاتجعلوا الضحية متهماً, وبدلاً من كيل الاهامات والانتقادات فكروا بالسبب الحقيقي الذي دفع الآلاف من العراقيين لهذه الهجرة الجماعية,فالانسان عندما يشعر بالغربة الحقيقية وهو داخل وطنه ويتلقى جرعات مستمرة من الظلم يومياً ويفقد الشعور بالأمان له ولعائلته ولايستطيع الحصول على أبسط حقوقه الرئيسية في حياة رغيدة ولاينال الخدمات البسيطة والمهمة للعيش وعندما يصبح عرضة لانتهاك الكرامة في كل يوم وعندما تصبح حياته وحياة عائلته وأحبابه مهددة للخطر في كل لحظة وعندما تصبح رائحة الموت
والدم منتشرة حوله في كل مكان وعندما يفقد ثقته بهيبة الدولة والقانون في تقديم الحماية له من أي خطر يحدق به وعندما يتغلغل اليأس الى جذور نفسه ويصبح الأمل بغدٍ مشرق مفقوداً, وهذا ماوصل اليه كل من اتخذ قرار الهجرة من العراق وترك الوطن الذي هو أغلى من الروح والأهل,فلاتلوموهم واعلموا انهم ضحية لأفعالكم واشفقوا عليهم وسارعوا الى دراسة هذه الظاهرة الشاذة والخطيرة من جميع جوانبها وحددوا أسبابها وضعوا الحلول والمعالجات لايقاف هذه الهجرة الخطيرة وحافظوا على من تبقى لأنها اذا مااستمرت واستفحلت فان الوطن سيخسر الكثير من العقول والكفاءات والشباب الذين نحن في أمس الحاجة لهم لإعادة بناء كل ماتدمر من اشياء جميلة على أيديكم وتصحيح جميع المسارات والقيم الخاطئة التي جلبتموها معكم من وراء الحدود ولنتجاوز هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها وطننا ولاتبقوا متفرجين على العراق وهو يلفظ بأبنائه الى الخارج ويقذفهم في أحضان مجتمعات غريبة ستقوم باحتضانهم والاستفادة من طاقاتهم وكفاءاتهم في البناء مقابل ان توفر لهم حقوق انسانية بسيطة تكفلها جميع الدساتير والشرائع السماوية وتعتبرها هذه المجتمعات من الأمور البديهية لأن الانسان عندهم يعتبر قيمة عليا وحقوقه الأساسية خط أحمر لايمكن لأحد أن يتجاوزها وينتهكها, وبالمقابل ومع الأسف فان الانسان في بلدي ليس له أية قيمة عليا أو دنيا وليس له أية حقوق إلا حق واحد وهو حق الانتخاب كل أربعة سنوات ,والذي يهتم به السياسيون كثيراً في الفترة التي تسبق الانتخابات فيحصل المواطن في هذه الفترة على بعض الرعاية والاهتمام من قبل الساسة ليضمنوا صوته الثمين الذي يضمن لهم الحصول على المكاسب والامتيازات, وبعد ظهور النتائج يعود المواطن الى وضعه الطبيعي السابق مهملاً بلا حقوق ولاكرامة ولا أمان ولا رعاية فارحموا من في العراق يرحمكم من في السماء.