ضجت مواقع التواصل الإجتماعي بصورة للمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل وهي تحتسي “البيرة”. في العالم الواقعي لا أحد يعرف متى التقطت هذه الصورة. ميركل كانت إنتقدت, ضمنأ, بلادنا, اقصد نحن المسلمين, التي بدأت تلفظ أبناءها الى أوربا عبر البحار. العالم الإفتراضي ربط بقوة بين إحتساء ميركل غير المسلمة “البيرة” المحرمة لدينا مع مأساة اللاجئين, عراقيين وسوريين, العالقين في القوارب ومحطات السكك والميترو بحثا عن جنة عدن الالمانية او النمساوية. تلك الجنة التي تؤكد كل كتب التاريخ ومدوناته إنها ـ كانت يومأ ما ـ في بلداننا.
هل تشرب ميركل نخب إنتصارها علينا بأثر رجعي على هزائم لحقت بأوربا أيام فتوحاتنا القديمة؟ أم نحن من يريد الربط بين صورتي الخمر واللاجئين ممن لم تأوهم بلاد المسلمين على كثرة ما في بعضها من مساحات وخيرات.
لست أدري لماذا ذكرني منظر ميركل مع كأسها وصورة الطفل السوري الملفوظ على ساحل البحر وباقي القصص المأساوية عن زوارق البحر المطاطية المثقوبة بقصيدة محمود درويش “سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا”. سرحان الفلسطيني الذي إتهم آواخر الستينات من القرن الماضي بإغتيال السيناتور الأميركي روبرت كيندي أيام إنتخابات الرئاسة الأميركية آنذاك.
منظر ميركل ليس إفتراضيأ وهي تحتسي “البيرة”, بينما منظر سرحان كان إفتراضيأ في مخيلة درويش وهو يشرب قهوة مستحيلة في الكافتيريا ربما قبل توجهه الى فندق أمباسادور لمهمة سجن على إثرها مدى الحياة. الصورتان ميركل وسرحان إختزلت مأساتنا معأ. القاتل والقتيل, اللاجئ و”الملجوء” اليه.
لابد من إستحضار التاريخ على الفيس بوك لا لشئ الا لكي يتحول منظر ميركل الى إدانة لماضينا الذي يحرم الخمر ولحاضرنا الذي لا يشبه ماضينا حيث كان البحر ممرأ للفتوحات. تلك الفتوحات التي جعلت من إسم طارق بن زياد يتحول الى إيقونة في عالم البطولة الأكثر مثالية وهو القائل “العدو أمامكم والبحر من ورائكم”. طبقا لدرويش في “سرحان يشرب القهوة” لم يعد البحر وراء مهاجرينا .. صار البحر بمثابة بوابة لنا “أبوابنا البر, فاجأنا مطر ” وتستمر المأساة “زرقة البحر يزجرها الشرطي, يعاونه خادم أسيوي, بلاد تغير سكانها”. مع ذلك كنا ومازلنا نردد “طلعنا عليهم طلوع المنون, فكانوا هباء وكانوا سدى”. درويش يقول على لسان سرحان “نحن سدى”.
وبالعودة الى جنة عدن التي يبحث عنها اللاجئون اليوم في اوربا فإنه لابد من إستدعاء الدكتور جواد علي وكتابه المهم “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام”. يقول في الجزء الأول ص 442 أن ” الفردوس الواردة في التوراة تقع في القسم الشرقي من جزيرة العرب بين مجان وبيت نسابو التي هي جزيرة دلمون”. ويمضي قائلا “تقع هذه المنطقة في القسم الشرقي من جزيرة العرب وعلى سواحل الخليج”. ياسلام!!!!