أكثر من شهر مضى ولا تزال مظاهرات العراق تجوب المحافظات الخاضعة للسلطة المركزية دون أن تلوح في الأفق بوادر حلول جذرية لمطالب الشعب المشروعة وليس متوقعا أن تجد كائنا على كوكب الأرض او احدى كواكب السيارة قد طرأ على ذهنه إمكانية القبول أوالاقتناع بالإصلاحات التي نفذتها الحكومة و البرلمان.
وهنا يطرح سؤالا مهما نفسه ليبحث عن إجابة يمكن لها أن تريح كل الإطراف المؤيدة والمعارضة للتظاهرات على حد سواء بل وتريح حتى أصحاب السلطة (حكومة وبرلمانا) وقبل كل ذلك تريح المواطن المسكين . والسؤال هو ما الحل ؟ وهنا ليسمح لي القارئ ان أعيد صياغة السؤال بشكل أكثر تحديدا وهو كيف تتحقق مطالب المتظاهرين؟
قبل الإجابة من المهم أن نورد حقيقة مؤسفة وهي أن شعبا مثل الشعب المصري له من الحضارة ما للعراق له منها أستطاع ازاحة نظاما جثم على صدره قرابة ثلاث عقود وفي غضون ثمانية عشر يوما فقط بينما لم يستطع العراق وبأكثر من ضعف الفترة الزمنية من إسقاط نظام هش وسلطة لا أشك لمرة واحدة أنها تتسم بغبائها المفرط علاوة على فسادها المعلن وربما وصف السلطة في العراق بالغباء يتطلب تقديم الاعتذار للغباء لأنك بذلك تحط من قدره وترفع من شأن الأخر.
من هنا علينا ألتحلي بالشجاعة والقول صراحة أن انتفاضة العراق تفتقر وبشكل واضح إلى مقومات النجاح وأنها تعاني من مشكلة تكاد تكون أزمة حقيقية ربما لا يكتب لها النصر المؤزر أن استمر الحال على ما هو عليه ، وربما يريد القارئ وبنوع من الفضول ان يعرف مواطن الضعف في التظاهرات عموما و حيث أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال ذكرها جملة واحدة ولكن كاتب المقال مهتم بإيضاح البعض منها لتسهل علينا إلاجابة عن السؤالين السابقين.
ربما لا يختلف اثنان في القول أن معظم التظاهرات التي بدأت قبل أكثر من شهر كانت سلمية بدرجة عالية ، وهذا طبعا يحسب لها لا عليها ويدل على نقاء السريرة لدى المتظاهرين وصفاء النية في سعيهم ، لكن المشكلة أن المتظاهرين بالغوا كثيرا في سلمية المظاهرات لدرجة أن شعاراتهم تطالب بإقالة الفاسدين في حين يعرف كلنا أن المفسدون في شرع الله يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض جزاءا لما اقترفت أيديهم وأما في النصوص القانونية للدول الغربية فأنها تزج بهم في غياهب السجون لسنين طويلة دون تأخذهم بهم رأفة أو رحمة، فعلا إنها سلمية بإفراط عجيب.
من زاوية أخرى إذا تمعنت قليلا بالمطالب التي جاءت بها انتفاضة العراق تجد الكثير منها مطاطية وليست واضحة أو صريحة بالشكل الكافي كما أنها قابلة للتطبيق بأشكال متعددة ويمكن التلاعب بها بسهولة، في موضوع الإصلاح مثلا عمد احد المحافظين إلى إقالة مدير عام دائرة الصم والبكم في المحافظة كجزء من تحقيق مطالب المتظاهرين (هذه ليست مزحه) ووعد بأن تكون هناك إصلاحات جديدة على هذا المنوال في المستقبل القريب. صحيح أن هذه الخدعة لن تنطلي على أحد لكن يمكن من خلالها كسب الوقت من جانب المحافظ أو الحكومة وهذا لن يكون في صالح التظاهرات.
وهنا يأتي نفس السؤال الذي طرح نفسه في بداية المقال ليطرح سؤالا جديدا أخرا عسى أن يريح القارئ من جهة وينهي جدلا عقيما من جهة أخرى والسؤال ما هي الوسيلة الأنجع لتحقيق أهداف الانتفاضة العراقية ؟
أزعم …إن النوايا الصادقة والسلوك المتحضر الذي ينتهجه المنتفضون على الوضع القائم في العراق دليل واضح وعملي على حسن الخلق ورفعة القيم لدى كل هؤلاء الثوار، لكنها في نفس الوقت لن تؤتي أكلها اليوم أو غدا أو حتى بعد شهور ولن تحقق الأهداف المنشودة للانتفاضة ،بل على العكس فإنها قد تجلب السعادة والغبطة لدى كل المعارضين للانتفاضة لأنها تشعرهم بالأمان والراحه، ومن هذا المنطلق بات من الضروري لا بل من الواجب أللجوء الى مظاهرات تختلف عن سابقاتها جملة وتفصيلا لتحمل في طياتها وسائل مبتكرة وغير تقليدية وغير مسبوقة أو مستنسخة ، مظاهرات من نوع جديد تملك مقدار لا بأس به من المكر والدهاء والصرامة بحيث تستطيع ان تقذف في قلوب الذين يمارسون السلطة الرعب والفزع بمجرد السماع بها.
وهنا تسكب العبرات … فمن أين لنا ان نأتي بهذا النوع من المظاهرات ؟ أقصد هنا مظاهرات مبتكرة و ذات طابع غير تقليدي وفيها من الحيلة والدهاء ما يحقق للمحتجين كل مطالبهم ؟ والجواب على هذا السؤال يكون من خلال النخبة المثقفة
والناشطين السياسيين وأهل الحكمة والدراية ، وحتى نضع الأمور في نصابها لا ضير أن يدلي كاتب السطور بدلوه في هذا الموضوع ليقدم منهجية يمكن على ضوءها البدء بالتخطيط والتنفيذ للمرحلة القادمة من الانتفاضة .
قبل كل شيء على المتظاهرين أن يتعرفوا على حقيقة لا لبس فيها ولا غموض لكنها غابت عن الكثير منهم وتجاهلها الآخرون وهي أن القاسم المشترك لجميع المطالب التي جاءت بها الانتفاضة أو التظاهرات تكمن في إلغاء الدستور لان إلغاء الدستور أو حتى تجميده يعني بالضرورة إلغاء كل ما بني عليه من برلمان و ومجالس محافظات ونظام برلماني وغيره ولن يكون هناك مطلب ذو قيمة بجانب الغاء الدستور، وحتى تحقيق هذه الغاية لابد لنا كما أشرنا من وجود طرق مبتكرة و غير تقليدية وهي بالشكل التالي : نستبدل كلمة إلغاء بكلمة حرق وندعو إلى جمعة يطلق عليها اسم جمعة حرق الدستور وطبعا تطلق هاشتاك بنفس الاسم وحملة اعلانية ضخمة يتفق من خلالها المتظاهرون جميعا على حمل نسخ من الدستور وفي وقت معين ومتفق عليه من المظاهرات يتم رمي نسخ الدستور من قبل المتظاهرين الغاضبين داخل حدود دائرة مرسومة مسبقا لتشكل تل كبير يتألف من ألاف النسخ ثم نعمد الى حرقها تحت أنظار كاميرات القنوات الفضائية. كل هذا يجب ان يتم بطريقة دراماتيكية سينمائية من خلال الاستعانة بمصورين ومخرجين من الشباب المتحمس لضبط المشاهد وإتقانها بشكل محترف يمكن لها أن تؤثر كثيرا في المتلقي من جانب وصاحب القرار السياسي من جانب اخر وتخلق نوع من التوازن في عملية انتزاع الحقوق ونيل جميع المطالب المشروعة للمتظاهرين .
لا أزعم أن كل الأمور ستحل بإتباع هذا النهج في التظاهر لكنها تعتبر وسيلة سلمية يمكن ان يقدم عليها المتظاهرون أو يبحثوا في وسائل أخرى لا تقل مكرا عن سابقتها ويمكن بعد ذلك التصعيد واللجوء الى حلول ذات طابع أكثر خبثا وحيلة من جانب المتظاهرين لأنها تعتبر وسيلة مهمة وضرورية يمكن ان تحقق للناس مطالبهم المشروعة .
facebook.com/bashar.hindawy