-1-
في ظلّ الانظمة الدكتاتورية الغاشمة ، تضيق مساحات الحراك الشعبي ،
وتقل فرص الاحتجاج الشعبي على السلطويين ،ذلك انهم لا يعرفون الاّ لغة الحديد والنار ، ولا يبالون بازهاق الأرواح ، والفتك الذريع بالمواطنين دون هوادة ..
ولا ينسى العراقيون أبداً ان النظام القمعي البائد، كان لا يكتفي بملاحقة المعارضين له ليوقع بهم أبشع ألوان القتل والتعذيب، وانما تمتد الملاحقة الى الأهل والأقرباء حتى تصل الى الدرجة الرابعة ..!!
-2-
ان معظم الدول في العالم اليوم تنص في دساتيرها على حق المواطنين بالتظاهرات السلمية للتعبير عن احتجاجاتهم وآرائهم ومطالبهم بعيداً عن اية ملاحقة ومساءلة .
والعراق اليوم يشهد موجة عارمة من هذه التظاهرات والاحتجاجات على الفساد المستشري في مؤسسات الدولة واجهزتها وتُطالبُ بالتغيير والاصلاحات الجذرية، وبدأت بالظهور “حُزُم الاصلاح ” واحدة بعد أخرى، استجابةً لنداء المرجعية العليا من جانب، وتلك الضغوط الشعبية من جانب أخر .
ومازلنا في بداية المشوار، والعقبات التي يضعها المتضررون من الاصلاح ليست بقليلة .
-3-
ان الاحتجاجات الشعبية في العراق ليست بالجديدة .
فقد قراتُ ما كتبه السمعاني (ت562 هجرية) في كتاب الانساب ج3 ص225 عما صنعه البغداديون مع (المعتصم) العباسي حين ضايق عَسْكَرهُ الناس وآذاهم …
يقول السمعاني :
{ اجتمع أهل الخير على باب المعتصم وقالوا :
إمّا أنْ تخرج من بغداد فان الناس قد تأذوا بعسكرك ،
أو نُحاربُكَ ، فقال :
كيف تحاربوني ؟ فقالوا :
نُحارِبُكَ بسهام السَحَر (يعنون الدعاء)
فقال المعتصم :
لا طاقة لي بذلك ،
وخرج من بغداد ، وبنى سر من رأى وسكنها ، وكان الخلفاء بعده يسكنونها الى ان انتقلوا بعد ذلك الى بغداد }
والملاحظ هنا :
انّ المعتصم وبالرغم من قوتّه – تلّقى التهديد المباشر من الناس باعلان الحرب عليه …، وهذا الأمر الذي أثار استغرابه ، فكيف يحاربه الضعفاء وهو القويّ الصلب ؟!
وتأتي المفاجأة حين يكون الجواب :
انهم يحاربونه ” بِسِهام السَحَر “
وسهامُ السحر : هي الدعوات التي يُطلقها المتهجدون في الأسحار، يشكونه الى الله مما حلَّ بهم …
ولقد خاف المعتصم من هذه السهام النافذة، واستجاب لما أراده البغداديون، وانتقل بعسكره الى سامراء
والسؤال الأن :
كَمْ مِنْ سياسيّ الصدفة مَنْ يحسبون الحساب لسهام السحر ؟
ان الآهات والدعوات التي تُطلقها الأمهات الثواكل، والمظلمون الذين لا يقوى على احصائهم الاّ الله ، ليست بقليلة ..
ومَنْ الذي يستطيع أنْ ينفي انّ كثيراً ممن هبّت عليهم رياح الإبعاد عن مناصبهم ودرجاتهم الخاصة أدركتهم ” سهام السحر ” ؟!
وقديما قال الشاعر :
تنام عينُك والمظلومُ منتبِهٌ
يدعو عليكَ وعينُ الله لم تَنَمِ
[email protected]