شهد العراق في الفترة الأخيرة مظاهرات كبيرة، وحملة إحتجاجية واسعة ناقمة على الوضع في البلاد، مطالبة السياسيين بإجراء إصلاحات كبرى، تطال جميع مراكز الدولة، كي ينهض العراق من حاله المزري، ويستعيد كامل قوته، ليسترجع هيبته الضائعة وسط الصراعات الدولية الإقليمية القائمة، فلابد من عراق متبوع لا تابع، لا يَخضع لأحد ويُخضع له .
عندما تظاهر الشعب من أجل الإصلاح، كان ولابد أن يكون القضاء العراقي أول الملبين، لصرخات المتظاهرين فالمشكلة التي تنخر جسد الدولة، هي أن الفاسدين يسرحون ويمرحون دون رادع يردعهم، وسط قاعدة من أمن العقاب أساء الأدب، طيلة السنوات الماضية لم يرفع الإدعاء العام أي شكوى في المحاكم ضد المسؤولين الفاسدين، وكأن القضاء لا يرى ما حوله ولا يسمع حتى، محاسبة الفاسدين والمقصرين مسؤولية القضاء، ولابد من تكفله لهذه المسؤولية الملقاة على عاتقه، فحينها ستكون العملية الإصلاحية التي تنطلق بها الدولة ناجحة ولن يعيقها أحد، لأن الأساس في الملك العدل، الذي يتم من خلاله خدمة المواطن والسهر على راحته .
بعد أن ضاقت المرجعية والناس ذرعاً بما جرى سابقا ويجري الآن، أعلنت الحكومة الإتحادية عن حزمة كبيرة من الإصلاحات لتشمل عديد من مفاصل الحكومة، وتخفض رواتب المسؤولين من أصحاب الدرجات العليا، وتلغي بعض الحقائب الوزارية وتدمج بعض آخر، وكما فعلت خيرا أيضا بإلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ” منصب الضرات “، الذي يعد منصبا تشريفيا للرئيس فما هي فائدة نوابه، سوى أنهم يثقلون كاهل الدولة بإمتيازاتهم ورواتبهم الكبيرة .
البرلمان بدوره بادر ليطلق ورقته الإصلاحية، التي من خلالها سيعمد إلى تخفيض النفقات الكبيرة التي تصرف بدون أي وجه حق يذكر، والمضحك المبكي فقرة ” تحسين المعيشة ” والذي يتبادر إلى الأذهان فور سماع هذه الجملة، أن النواب كانوا جياعاً وعلى الدولة أن تنفق عليهم من قوت الشعب حتى يشبعوا، ما لكم كيف تحكمون أنسيتم قوله تعالى ” وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ” تعساً لكم يا من قسمتم بالقرآن الكريم على حفظ الأمانة، وفصل النواب المتغيبين أين هم وما سبب غيابهم، أين الرقابة والمحاسبة يا أيها النواب، أما شبعتم من ملئ بطونكم أنسيتم أن هناك آخرة ستفضحكم، وسيقذفكم تعالى في نيرانه، جراء فسادكم وتقاعسكم عن آداء واجباتكم .
بعد كل الورقات الإصلاحية لم يحرك القضاء ساكناً ليبادر بطرح ورقته الإصلاحية، وهذا الصمت من قبله يعد إستخفافاً برأي المرجعية، التي طالبت وكررت ندائها لكي يقوم القضاء بواجباته القانونية المناطة به، فمن المستفيد يا ترى من تكاسل القضاء أو تجاهله للصرخات الحقة، هذا الصمت لا يعد إلا تواطئاً فاضحة مملوء بالتحدي لإرادة الشعب ومرجعيته الدينية، فلابد من ينتفض القضاة والمحامين وجميع الحقوقيين، ليثوروا بوجه زمرة الفساد المتمسكة بسدة الحكم، وهل تناسيتم مشروع التغيير الذي طالبت به المرجعية، نعم كان ولابد أن تجري أول عملية إصلاحية في القضاء، كي لا يأمن الفساد من القصاص .