منطق ال bluemonday الامريكي

منطق ال bluemonday الامريكي

اشكالية السياسة الامريكية هي ربط بعض مقوماتها المهمة ومكوناتها الاساسية بلغة الشارع الامريكي. ففي هذا الربط يكمن مفتاح العقل الباطن الذي يفضي الى اتخاذ المواقف الغريبة على النهج الموضوعي والبعيدة عن مركز العدل والانصاف في الغالب والاعم.

فالامريكي، المواطن، يتمتع بعطلة نهاية الاسبوع (ويك اند weekend) في السبت والاحد بكل ما اوتي من وسائل التمتع حتى البذخ او الترف المفرط في بعض الاوساط الفوقية او الافقية حتى اذا جاء يوم الاثنين، وهو يوم بداية العمل الاسبوعي الجديد وواجه النظام الصارم او الجدية المطلقة في الاداء، يبدأ الشعور بالمتعة الناجم عن احداث عطلة نهاية الاسبوع ومزاياها يتناقص حتى ينقلب الى ضد او بغض. ومن هذا الموقف النفسي الخاص نشأ التعبير العام (الاثنين الازرق Bluemonday) بمعنى (الاثنين الاسود Blackmonday). عملياً لكآبة ما فيه ونحسه، وكثيراً ما تدخل كلمة (Blue) في لغة الشارع الامريكي ومنه الى السياسة على معنى اسود او نحس.

لنبقى مع السياسة الامريكية وهي تواجه (Bluemonday) عالمي بين حين وحين في آسيا او في اوروبا او في افريقيا او النجاحات الرسمية في تكوين جل التكتلات، وابرام معظم الاتفاقات حتى ينفجر الشارع الوطني في البلدان المعنية بوجهها على درجات مختلفة في سلم من عشر درجات، كما هو مقياس رختر في متابعة الهزات الارضية وزلزالاتها، اذ ان ادنى هذه الشوارع قسوة بل اكثرها رقة ترمي الضيف الامريكي الرئاسي بالبيض والطماطم، اما اعلى هذه الشوارع تحدياً او تعرضاً، فتتعرض لحياة الامريكان بالقتل والخطف الفردي او الجمعي، ثم يبدأ جهاز التحري عن الفاعلين (FBI)، وتغيب عنه الاسباب عن عمد وسابق تصميم ثم تتجه اصابعه صوب اتهام الدول من بعد الافراد او ان يبدأ بالدول ثم ينتهي بالافراد… فتمهد الادارة الامريكية بالتهديد اولاً بالقوة العسكرية او تهدد بالحصار الغذائي والتطويق… في مقابلة دولة – اي دولة – قد تكون من وسط العالم او من ثلثه السفلي، ووزير الدفاع الامريكي من جهته يأمر بتحرك حاملات الطائرات والبوارج ويعلن الاستعداد والحذر في القواعد الخارجية وفي السفارات الامريكية معها… وهكذا تترى ردود افعال الشيوخ في الكونغرس ليظهروا بفتوة الشباب، فلا الحكمة السياسية حاضرة ولا العالم في موضع الاحترام، بل ان الرؤية القانونية الشكلية في براءة المتهم حتى تدينه محكمة (تطير) من بين يدي المجتمع السياسي الامريكي قبل او بعد القضاء الامريكي.

وقد نحسب ان الامر ربما صار طبيعياً طبقاً لطبيعة الشخصية الامريكية نفسها، الا ان تحول الاثنين الازرق الى سياسة او منهج في التعامل الدولي يعد مسألة في غاية الخطورة، لأن تحويل مصالح الولايات المتحدة الى صيغة جمعية على شكل حلف شمال الاطلسي، يعني التزوير فعلاً، كما ان جعل مشكلة الاخرين امريكية والتعامل معها ولأجلها بسياق امريكي يعني الانتحال والتدخل في ما لا يعني الولايات المتحدة وبوقاحة،

اما اذا انتهت صيغة التزوير والانتحال الى طائرات تقصف ليلاً ونهاراً وصواريخ تعبر الاجواء والبحار لتدك مراكز مدنية بنسبة (10%) مقابل وحدات عسكرية بنسبة (3%) فهذا يجاوز قانون الغاب الطبيعي. ولا اعتراض هنا على (سنة) قانون الغاب، فالملكية للاسد الشهم الذي لا يهاجم ساكناً ولا يتعرض لمريض ولا يقترب من صغير ولا يتحدى المجموع ولا يطلب اكثر مما يحتاج، وليس اكثر مما يريد، ثم تيسر له الطبيعة تحت هذه المواصفات له ولعائلته ثوراً برياً وقف له بالمرصاد واعترض طريقه دفاعاً عن قطيعه حتى اذا نالته ضربة من الاسد في خلفه استسلم ذاعناً، والاسد يلعق جانبي رأسه مطمئناً اياه ان هذا هو حكم الغاب، فهل وصلت الولايات المتحدة ربع ما وصل اليه الاسد او خمسه او عشره؟ ارى انها لم تصل الى ذلك قطعاً وفي أية مرة. انها تعيش Bluemonday سياسي دائم ترى العالم الآخر بمنظار اسود ومن منظور مظلم، فلأجل القليل اليسير تنفق الكثير الباهظ ولكن ليس من جيبها هي بل من خزائن الحلفاء، وتعالج بالنار والرماد ما تريد انقاذه للآخرين ولأجل الاخرين، فهل اولئك يقبلون بالدمار على انه انقاذ وحرية وكيان؟!

ان منطق Bluemonday يقبل بذلك تماماً لانه لا يذهب برخاء لوس انجلس الفاحش المحرم في التوراة والانجيل، بل يأتي بتعاسة يتعذر ايقاف مداها او حتى تحديدها في فلسطين او في العراق او في بلدان امريكا اللاتينية.. وفي غمرة هذه الانتكاسات الانسانية والانتصارات الوطنية الامريكية، يهتز المجتمع الامريكي بمأساة تدخلات اداراته الرئاسية في شؤون الاخرين ليقتل من يقتل ويصاب بالجراح من يصاب من مواطنيها جراء هذه السياسة، فتتساءل هذه الرئاسات: هل تنكر هذه الحوادث؟ فترد عليها معطيات علم النفس الامريكي وعلم الاجتماع الامريكي: نعم، ذلك سيتكرر لأن معنى Bluemonday اتسع وان تأثيره تعمق في الحياة الامريكية الداخلية بعد ما ذاق الناس خارج الولايات المتحدة من شرها ما يكفي الى تحويل كل ايام الاسبوع الى Bluemonday لأن الاسباب متاحة تماماً، ولأن المعالجات غير عادلة ولا اخلاقية في الوقت نفسه.

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات