باتت المسافة بين ماضينا الجميل وحاضرنا المأساوي طويلة .. زمان كنا نصحوا على تغريدة صوت المطربة فيروز وهي تصدح بحنجرتها بحب بغداد مدينة الشعراء والصور .. بغداد مكملة الاعراف يغسل وجهها القمر .. اليوم صرنا نصحوا على صوت انغام الانفجارات ومشاهدة الجثث المبعثرة حتى باتت بغداد بلا شعراء ولاصور صار وجهها يغسله الضجر .. بالامس كانت بغداد اجمل كان المسؤول صاحب الحشمة والسعادة والسمو والرفعة اكثر نظافة كان يعتبر المال العام خط احمر لايمكن تجاوزه .. اليوم بات المسؤول ملوث يلبس عباءة الحشمة والنزاهة والعفة وتحت عباءته تكمن افاعي الشيطان .. بالامس كان لنا وطن نبكي لنكبته نشمر سواعدنا دفاعا عنه ندافع عن حشمته .. نحمل في جيبنا هوية هي عندنا اثمن قضية .. اليوم بات وطننا مسلوب ومالنا منهوب وشعبنا منكوب .. تخونني مشاعري فأبكي صاغرا خاشعا لله الواحد الاحد وادعوه جل جلاله ان يزيل عنا هذه الغمة وان يفرج همومنا وان يحصن سدودنا .. كيف لانبكي على نعش العراق ونحن نرى شعبنا يدنو من ساعة الفراق بعد ان ضاق صبره فأعد حقائبه للرحيل الى ارض بعيدة ابعد من ارض زحل .. يبكي المهاجر ويولول ” ويقول ” كان لي وطن ابكي لنكبته واليوم لم يبق لي وطن ” وطني بات وكرا للديدان جاءت وانتشرت في كل مكان دخلت ارضنا بلا استئذان جاءت من بلاد اسموها كذبا وزورا بلاد الكفر والطغيان واذا هي بلاد الحب والامان .. سكن الاغراب ارضنا مثل الفئران وانتشروا في جحور في كل مكان قتلوا روح الانسان جعلوه يعيش في غابة كالحيوان أكلوا من طعامه وشربوا من ماءه وما ان شبعوا اكلوا ثرواته مثلما تأكل الزرع الديدان .. سرقوا كل شيء عبدة الشيطان جعلوا العراقي يغلي دمه مثل السخان ..لم يرتضي ان يعيش بينهم عيشة المستسلم الجبان .. لملم حقائبه ياعيني عليه ليهرب ليمحو هويته ويعيش عيشة الغربة كانسان .. لم تهزه قساوة الموج وتلاطمه وهو يهرب عريان جوعان مع اطفاله يبكي يبحث عن ارض تأويه ليعيش بأمان .. لايهمه ان مات هاربا تلتهمه الامواج ففي موته اشعار برفضه العيش بين الغربان .. مات ” عدنان ” وهو يحتضن ابنته ” غفران ” سقطوا وسط البحر اكلتهم الحيتان .. ماتوا وعيونهم ترنو الى الباري خالق الكون قوي البنيان .. مات ” عدنان ” متحديا غدر الزمان مات مزهوا هاربا من لدغة الثعبان بعد ان لف ذيله من اقاصي البصرة الى كردستان .. مات مزهوا هاربا من الطغيان .. وبقيت النيران تلتهم بيته ولم تبقي حتى البستان .. مات بعد ان شد الرحال وهاجر متحديا غدر الزمان .. متسائلا : اين يذهب قرة عين العراق بعد ان اتعبته الاعيب الشيطان .. هل يرتضي الذلة والمسكنة في بلده الذي بات بالسراق مهان .. هل ينزع رداء العز والشرف ويلبس لباس الذل فيصبح شخصا بلا ذمة جبان .. هل يغلق باب بيته ويبقى حبيس الجدران بلا عنوان .. ام يخرج ليعلوا صوته محتجا وهو في كل مايفعله سيان .. وتبقى الحقيقة مرة ويبقى الشريف في عزه عريان ..
هذا العراق سامي سمو النخلة واقفا بشموخ لاتحنيه الرياح ولن تنتكس رايته مهما فعل الغلمان .. وان انتكست اليوم فحتما غدا ستسمو وترتفع بسواعد ” عدنان وغسان” .. سلوا التاريخ ولاتبقوا في غفلة النسيان ان العراقي اذا غضب استل سيفه وقاوم بصلابة كل معتدي اثيم جبان ولن تثنيه في غضبته الاعيب الشيطان .. اليوم خرج في تظاهرة يسعى فيها الى تغيير البنيان .. وان لم تستجب له القطط السمان فأن ارادته ستكون حتما اقوى وسيجتاز الامتحان .. سيجتاز اسيجة حتى وان كانت بعلو الجبال وعمق الوديان وسيكتب التاريخ له ملحمة .. وسيعلن في انتفاضته انتصار شعب حقق ارادته بسواعد الشجعان .