“السقا” ذلك الرجل الذي كان يجلب الماء، بواسطة قربةٍ مصنوعةٍ من الجلد، يحملها على ظهره، من الشاطئ إلى البيوت، مقابل أجر مالي، والذي كان يرتدي الدشداشة، ورائحة عفونة الجلد تفوح منه، تعرفنا على مهنتهِ حسب ما عرضتهُ الأفلام الوثائقية والسينمائية، وعلى ما رواه لنا أجدادنا ممن عاش في تلك الحقبة.
عندما تطورت شؤون الحياة، إنقرضت مهنة السقا، فقد تم إيصال المياه الصالحة للشرب إلى المنازل، عَبَرَ شبكةٍ من الأنابيب، المدفونة في باطن الأرض، وتكونت شعبة طوارئ تابعة إلى دائرة المياه والمجاري، تعمل هذه الشعبة بكادر من السيارات الحديثة، ذات الخزانات الواسعة، لإسعاف بعض القرى والبيوتات النائية، التي قد تحصل فيها شحة لمياه الشرب، وهذه الشعبة تعمل تحت غطاء ورعاية الدولة، ويستلم موظفوها رواتباً شهريةً مقابل عملهم هذا، وفق ساعات عمل محددة، حيثً يقومون بتوزيع المياه مجاناً للمواطنيين، على العكس من السقا!
تَمرُ أحياءُ أطراف وشرق العاصمة بغداد بصورة خاصة، بأزمةٍ كبيرة، تكاد تهلك الناس، تلك هي أزمة شحة المياه، التي تزامنت مع إرتفاع كبير لدرجات الحرارة، هذه الأزمة التي لم يجد لها المسؤول حلاً منذُ عام 1991، وكأنها معضلة لا يستطعون الوقوف على أسبابها، أو إيجاد الحلول لها! فقد تم تجديد شبكة الأنابيب، ونصب مضخات المياه المساعدة، ولكن دون جدوى!
تفطن بعض الشباب العاطل عن العمل! وقرر إعادة مهنة السقا إلى واجهة المجتمع من جديد، ولكن هذه المرة بطريقة مواكبة للتطور التكنلوجي الحاصل، فقد إستخدم هؤلاء الشباب عربات الدراجات النارية(الستوتة)، بالأضافة إلى كونهم من الوسمين، والذين يرتدون الملابس النظيفة والجميلة، يحملون معهم أحدث أجهزة الإتصال(الموبايل)، ومعلقين في آذانهم سماعات(الهوت فون).
كان السقا في الماضي يرضى بالشئ اليسير من المال، ولكن هؤلاء الشباب ونتيجة لما ذكرناه، بالأضافة إلى ذهابهم إلى مقاهي الأركيلة الليلية، فهم لا يرضون بالمال اليسير، ولذلك وصل سعر الخزان الصغير(500لتر) إلى 7 آلاف دينار! ولم يكتفوا إلى هذا الحد، ولكن بدأوا بالتجاوز على أعراض الناس وسرقتهم، مستغلين بذلك غياب الرجال عن دورهم، بسبب دوامهم في دوائر الدولة!
بقي شئ…
نحنُ مع العمل الحر للشباب، والقضاء على البطالة، ولكن على الدولة مراقبة السيئ منهم، وعدم ترك الحبل على الجرار.