-1-
تلوك الألسن – وبلا رحمة ودون هوادةَ – كثيراً من الناس ،لا بجرم اقترفوه، ولا لجناية ارتكبوها ولكنْ لدوافع واسباب منها :
الامراض الاخلاقية ، كالحسد … والخبث الذاتي وفقدان المروءة والانصاف حيث العُقَدُ المتأصلة التي تدفع لكراهة مَنْ يتفوق عليهم ..!!
ومنها الانفعالات المزاجية العشوائية التي هي بمثابة العواصف ..!!
ومنها الوقوع في أفخاخ الشيطان وحبائله ، والائتمار بأمره حيث لا وَرَعَ ولا تقوى ولا وازع او رادع ..!!
-2-
وأمام هذه الحالة الخطيرة ، هناك خيارات عديدة
الاولى :
مقابلة الاساءة بالاساءة ومعاملة المسئين بالمثل ،
ومعنى ذلك الانحدار الى مستنقع الظلم الاجتماعي ، وَتَحَوُّل المسرح العام الى اشتباكات وصراعات لها أول وليس آخر …
الثاني :
الترفع عن المقابلة بالمثل وغض النظر عن كلّ ما صدر من اتهام او تجريح حتى كانه لم يسمع بما جرى ..!!
وهذا هو ” كظم الغيظ ” الذي يعتبر من اروع الصفات .
الثالث :
العفو عن المسيء ومسامحته عما اقترف وهذا هو السمو والترفع والصفاء
الرابع :
الاحسان الى المسيئين وهو أعلى الصيغ في هذا المضمار، فلقد روي عن الامام الكاظم موسى بن جعفر (عليهما السلام) انه كان اذا بلغه عن شخصٍ ما يُؤْذِيه بعث البه (بصرّة) دنانير ..!!
وهذه هي قمة الانسانية والنبل .
-3-
ولاشك أنّ خيار العفو والتسامح، يُبقي النسيج الاجتماعي بعيداً عن التمزق، ويحول دون تفشي الصراعات والنزاعات الفتاكة في المجتمع، الأمر الذي يمكن أنْ يُسهم الى حد كبير في تخفيف وطأة الاختلافات، ويقرّب للوصول الى مرافئ الامن والسلم الاجتماعيين ، وهذا هو المطلوب بالذات، في غمرة الانسياق الى ردود الفعل الآنية والابتعاد عن الحسابات العقلانية .
-4-
قيل لأحد الاعلام :
” انّ فلاناً يقع فيك “
اي انه يخوض غمار الشتيمة والسباب ، ويلج باب التحامل والتطاول ..
قال :
” لأغيظنَّ مَنْ أَمَرَهُ .
غفر الله له
قيل له :
مَنْ أَمَرهُ ؟
قال :
الشيطان ” صفة الصفوة /ج2/42
والملاحظ هنا :
1 – تجريد من الخبث والنية السيئة ، واعتبار القضية ناشئة من الوقوع في الفخ الشيطاني الذي لا يقوى الكثيرون عن الاحتراز منه ..!!
وهذا ما يفتح الباب للود والصفاء بدلاً من العداء والبغضاء ..
2 – اسقاط الحق الشخصي والترفع عن المطالبة بالعقوبة وهذا هو النبل بعينه …
3 – الدعاء للمسيء بغفران ذنبه المرتكَب، خلافاً للموازين الشرعية والاخلاقية، وفي هذا معنى مقابلة الاساءة بالاحسان ..!!
وهكذا يكون التخلص من السلبيات والتداعيات المُضرّة …
-5-
وكاتب السطور واجه مرّة محاولة خبيثة من امرأة جاءته تشكو زوجها فقالت له محرّضة عليه :
انّه كثيراً ما يتناولك بالسوء ، فما كان منه الاّ ان قال لها :
انه صديقي ، وانا أحبُّه ، فإنْ كان قد ذكرني بسوء فهو في حِلٍّ مني ..!!
وكأنه بذلك ألقمها حجراً ، فخرجت ولم تعد اليه ثانيه، لأنها أدركت أنها لا تستطيع ان تستثير من دأبه العفو والسماح ..
وقد وقف أحدهم بوجهه يرعد ويُزيد ويتوعد لأن لجنة البحوث في المؤتمر الذي ترأسه للكوادر الاسلامية عام 1984 لم تمسح له بالقاء ما كَتَبَهُ ، فما كان منه الا الابتسام والاعراض عن كل ما سمع ،والاكتفاء بتذكيره ان المنع لم يكن من قِبلِهِ وانما جاء من قبل ” لجنة البحوث” في المؤتمر” من دون تعليق ..!!
واضطر صاحب البحث المرفوض الى الانسحاب بهدوء ..!!
-6-
ولولا أنّ هناك بقيةً من النبلاء العقلانيين ذوي النزعة السمحة ، والروح الخيّرة المُحبة للوئام والسلام ، لكنّا في أتون يحترق فيه الأخضر واليابس ..!!
-7-
اننا بحاجة الى أنْ نشيع بيننا ثقافة التسامح والعفو ، والتي ان دلّت على شيء فانما تدّل على كرم الطباع ، وسعة الصدور ، وسلامة النفوس ، وطهارة السرائر …
وفي ذلك الخير الكثير …
فهل من مستجيب ؟!
-8-
وحذارِ من ان يتصور أحد أننا ندعو الى التسامح مع اللصوص والسراق وفرسان الفساد المالي .
ان هؤلاء خانوا الله ، وخانوا الشعب ، ولابُدَّ ان يدفعوا ثمن خيانتهم ودناءاتهم …
انهم لابُدَّ من ان يحالوا الى القضاء ، ولابُدّ من انتزاع ما سرقوه من المال العام دون ان تأخذ أحد بهم هوادة .
انه مطلب الجماهير العراقية
كما انه مطلب المرجعية الدينية العليا .