23 نوفمبر، 2024 10:35 ص
Search
Close this search box.

العيون وما يحدث اليوم

العيون وما يحدث اليوم

لا أدري لماذا حين أتطلع إلى العيون المغمضة لخورخي لويس بورخيس وأجفانه المحملة بأطنان الكتب ، أتذكر العيون التي ترى بوضوح ولكن بقلب مغمض . أقصد العيون الغبية ، القاسية ، الجشعة ، الشبقة ، والتي لا تملك أي ذرة من الوطنية لتبكي ، على جوع طفل أو موت مغدور أو سرقة بيت تراثي أو تحويل رحلة المدرسة الدراسية إلى حطب لشتاء بارد دون تدفئة ونفط أبيض وخواطر دافئة.

أتذكر لغة العيون ، وأقارنها مع فنتازيات المعنى الذي يمتلكه حرف الكتابة منذ ألواح سومر وحتى كيبورد الحاسوب المحمول ، فأكتشف إن كل اللغات قابلة للاندثار مع اندثار الحضارات وموتها فيما تبقى لغة العيون تمثل الحس الإنساني بكل هواجسه ( النظرة ، الرغبة ، الكلام ، الأمنية ، الحزن ، الفرح ، التأمل ، النوم ) ، هذه اللغة التي أمتلئت بكون ٍ من التعبير ، وحدها من تربطنا ببعضنا رغم تعدد خرائط الأمكنة والقوميات .

إنها لحظة معرفة الإنسان بقيمة ما تكون فيه ومنه ، وبنظرة العيون يفسر ما حوله ويدرك ماهية العالم ، قبل أن يدركها بثقافة الكتاب أو السماع أو الاختلاط فيميل إلى تفسير يخصهُ هو اتجاه ظاهرة ماتراه عيناه قبل أن يميل ويؤمن بتفسير العالِم أو الفقيه أو الفيلسوف ، لهذا كان سقراط يقول : وقود اللسان نظرة العين ، ووقود العين قلوبنا .

هذه النظرة التي تبدأ خطوتها الأولى من رمش يتحرك وعاطفة تخفق . كم نحتاجها اليوم لنتخلص من هوس ما يحدث في عالم تنطفئ فيه الشموع ، وتشتعل غرف انطلاق الصواريخ وفوهات المدافع وأرقام الحسابات المصرفية السرية ، نحتاجها لنسيطر على هذا الهوس الذي يجتاحنا لنفكر أولا كيف نحظى بمصادقة المسئول ومداعبة خد المطربة الشهيرة وقضاء ليلة في مهرجان كان ، فيما أخٌ لك ينام مفزوعاً بجبهة الحرب أو في ثلاجة الطب العدلي أو كمب من كمبات الهجرة الموزعة بين بلدان الثلج والقارة الاسترالية أو حتى داخل وطنك ، بكمب المطار أو أبو غريب أو الحد الفاصل مابين الخوف وابتسامة الملثم المنتمي إلى مديرية الأحوال المدنية في قندهار .

مرات أفكر وأنا اقرأ كتاب ايتاليو كالفينو الموسوم ( مدنٌ لاتُرى ) وبطبعة دار المأمون لياسين طه حافظ تُرجم ( مدن لا مرئية ) ، إننا نحتاج في نظرتنا إلى العالم الذي يخلصنا من هذه المآسي إلى تلك المدن التي تحدث عنها كالفينو ، ولكن علينا أن نجردها من رغبة الطغاة كما الصقها كالفينو بحلم طاغية مثل المغولي ( قبلاي خان ) ونجعلها هذه المدن ليست حكراً على نظرة الملوك ورؤاهم بل مدن تحتكرها نظرات الفقراء ، مدن اليوتييبات الخضراء ، ليس فيها حروب وبطاقات تموين ، وطوابير لتوزيع إعانات الهلال ( الأحمر ، والأبيض ، والأسود ، والبنفسجي ) ..

عندها نستطيع أن نقول إن العيون خلقت ليست فقط للرؤية والتمتع بجمال الخلق ، بل أيضا لتخلصنا من هواجس العسكرة المضرة وجشع تجار الأفيون والسلاح وسكائر المارلبورو المضروبة ، وصانعي معجون الطماطم المغشوش وغيرهم من الذين لا يملكون عيوناً وقلوباً ودموعاً يبكون فيها حتى حين يموت أعز الناس إليهم .

لهذا حين أنهيت كتاب كالفينو في قراءاتي العاشرة له ، تمنيت لعيوني أن تحمل هيكلة وهندسة وحياة تلك المدن الى شعبي الذي يئن من آلام ل اتحصى سببها تراكم الظروف التاريخية والحظ العاثر ، والبارجات ، وشارات الركن ، وغليون مدير شركة الهند الشرقية .

لكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه …تجري سيارات الليموزين بما تشتهي طرقات إلهاي وي

والى حين تصل …

تبقى سيكولوجية العيون هي بعض زاد حلم الفقير وهي تحمل على أكتاف الدموع كلمة بوذا الأثيرة : كم أتمنى من شخص ما يقنعني بصحةِ تلك الجملة الساحرة : العالمُ خُلقَ بنظرةْ…

العيون وما يحدث اليوم
لا أدري لماذا حين أتطلع إلى العيون المغمضة لخورخي لويس بورخيس وأجفانه المحملة بأطنان الكتب ، أتذكر العيون التي ترى بوضوح ولكن بقلب مغمض . أقصد العيون الغبية ، القاسية ، الجشعة ، الشبقة ، والتي لا تملك أي ذرة من الوطنية لتبكي ، على جوع طفل أو موت مغدور أو سرقة بيت تراثي أو تحويل رحلة المدرسة الدراسية إلى حطب لشتاء بارد دون تدفئة ونفط أبيض وخواطر دافئة.

أتذكر لغة العيون ، وأقارنها مع فنتازيات المعنى الذي يمتلكه حرف الكتابة منذ ألواح سومر وحتى كيبورد الحاسوب المحمول ، فأكتشف إن كل اللغات قابلة للاندثار مع اندثار الحضارات وموتها فيما تبقى لغة العيون تمثل الحس الإنساني بكل هواجسه ( النظرة ، الرغبة ، الكلام ، الأمنية ، الحزن ، الفرح ، التأمل ، النوم ) ، هذه اللغة التي أمتلئت بكون ٍ من التعبير ، وحدها من تربطنا ببعضنا رغم تعدد خرائط الأمكنة والقوميات .

إنها لحظة معرفة الإنسان بقيمة ما تكون فيه ومنه ، وبنظرة العيون يفسر ما حوله ويدرك ماهية العالم ، قبل أن يدركها بثقافة الكتاب أو السماع أو الاختلاط فيميل إلى تفسير يخصهُ هو اتجاه ظاهرة ماتراه عيناه قبل أن يميل ويؤمن بتفسير العالِم أو الفقيه أو الفيلسوف ، لهذا كان سقراط يقول : وقود اللسان نظرة العين ، ووقود العين قلوبنا .

هذه النظرة التي تبدأ خطوتها الأولى من رمش يتحرك وعاطفة تخفق . كم نحتاجها اليوم لنتخلص من هوس ما يحدث في عالم تنطفئ فيه الشموع ، وتشتعل غرف انطلاق الصواريخ وفوهات المدافع وأرقام الحسابات المصرفية السرية ، نحتاجها لنسيطر على هذا الهوس الذي يجتاحنا لنفكر أولا كيف نحظى بمصادقة المسئول ومداعبة خد المطربة الشهيرة وقضاء ليلة في مهرجان كان ، فيما أخٌ لك ينام مفزوعاً بجبهة الحرب أو في ثلاجة الطب العدلي أو كمب من كمبات الهجرة الموزعة بين بلدان الثلج والقارة الاسترالية أو حتى داخل وطنك ، بكمب المطار أو أبو غريب أو الحد الفاصل مابين الخوف وابتسامة الملثم المنتمي إلى مديرية الأحوال المدنية في قندهار .

مرات أفكر وأنا اقرأ كتاب ايتاليو كالفينو الموسوم ( مدنٌ لاتُرى ) وبطبعة دار المأمون لياسين طه حافظ تُرجم ( مدن لا مرئية ) ، إننا نحتاج في نظرتنا إلى العالم الذي يخلصنا من هذه المآسي إلى تلك المدن التي تحدث عنها كالفينو ، ولكن علينا أن نجردها من رغبة الطغاة كما الصقها كالفينو بحلم طاغية مثل المغولي ( قبلاي خان ) ونجعلها هذه المدن ليست حكراً على نظرة الملوك ورؤاهم بل مدن تحتكرها نظرات الفقراء ، مدن اليوتييبات الخضراء ، ليس فيها حروب وبطاقات تموين ، وطوابير لتوزيع إعانات الهلال ( الأحمر ، والأبيض ، والأسود ، والبنفسجي ) ..

عندها نستطيع أن نقول إن العيون خلقت ليست فقط للرؤية والتمتع بجمال الخلق ، بل أيضا لتخلصنا من هواجس العسكرة المضرة وجشع تجار الأفيون والسلاح وسكائر المارلبورو المضروبة ، وصانعي معجون الطماطم المغشوش وغيرهم من الذين لا يملكون عيوناً وقلوباً ودموعاً يبكون فيها حتى حين يموت أعز الناس إليهم .

لهذا حين أنهيت كتاب كالفينو في قراءاتي العاشرة له ، تمنيت لعيوني أن تحمل هيكلة وهندسة وحياة تلك المدن الى شعبي الذي يئن من آلام ل اتحصى سببها تراكم الظروف التاريخية والحظ العاثر ، والبارجات ، وشارات الركن ، وغليون مدير شركة الهند الشرقية .

لكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه …تجري سيارات الليموزين بما تشتهي طرقات إلهاي وي

والى حين تصل …

تبقى سيكولوجية العيون هي بعض زاد حلم الفقير وهي تحمل على أكتاف الدموع كلمة بوذا الأثيرة : كم أتمنى من شخص ما يقنعني بصحةِ تلك الجملة الساحرة : العالمُ خُلقَ بنظرةْ…

أحدث المقالات

أحدث المقالات