يظن من يراه، إنه مجنون قد أفقد الزمن عقله، وأذهبت الأيام محاسنه،فتركه الناس، كما غادرته العافية من قبل.فأردت أن أقضي معه وقتا، فسألته مازحا: ما رأيك باصلاحات العبادي ايها الشيخ؟
فأجابني بوجه باسم : أتريد جواب العاقل ام المجنون ؟
قلت : اريد جواب المجنون ؟!
قال: قد كفاني العبادي ذلك . وقهقه عاليا …
قلت : وما جواب العاقل ايها الشيخ؟
قال : العقلاء وحدهم من يجدوا في الازمات الفرصة السانحة للنظر بعيدا في جذور المشاكل، فيعمدون الى قلع اسبابها، ويحرصون على احكام الأساسات . فالطبيب الحاذق لاتشغله حرارة المريض عن تشخيص علتها، والمهندس البارع لا يأمر بأعادة القطار الى السكة الا بعد ان يتأكد من سلامتها، فقد تكون هي السبب في خروج القطار عن مساره. وكذلك السياسي الحريص لا تذهله الاصوات العالية التي ترفع المشاكل وتطالب بالحلول، عن التأسيس للدولة العادلة المنتجة.
عند الازمة تستعد النفوس لتقبل واقع جديد، وهذا رأس مال السياسي الماهر ، فعليه الدفع بقوة مستفيدا من زخم الازمة في جعل البلد على سكة الازدهار.
هناك أمرين أذا تم تجاوزهما فأن أي اصلاحات تذهب كذهاب زبد البحر، وتضمحل كما يضمحل السراب امام عيني الراكض شوقا للماء .
قلت : وما هما ؟
قال: ارساء العدالة الإجتماعية والإسراع بالحكومة الالكترونية .
قلت : الأمر يحتاج الى توضيح ان كنت جادا، فقد مللت من الكلام ذو النهايات المفتوحة .
قال: انتهى الى سمعي يوما ان أول وزير خارجية ملون لأمريكا كولن باول، ذكر رغبة امريكا في تكون طبقة رأسمالية في العراق تكون الضامن لمصالح أمريكا في هذا البلد .
فمنذ عهد الحاكم المدني بريمر، شرعت الأمتيازات والرواتب الهائلة لكبار المسؤولين، حتى باتت الدرجات الخاصة طبقة لها طقوسها وكأنهم ينهلون من بحر لاينضب من الأموال .
فأزالة الأمتيازات الهائلة وتقليل تلك الرواتب الخيالية يوفر العدالة الاجتماعية، كما إنه يخفف من شبق الطامحين لتلك المناصب بغية الثراء، بالإضافة لذلك فأنه يسهل تقبل الناس لأي فرض لرسوم أو ضرائب تقتضيها المصلحة.
قلت : وماذا عن الحكومة الألكترونية..؟
قال: ليست الحكومة الألكترونية غاية، بقدر كونها أسهل الوسائل في ضبط ادارة الدولة للشؤون اليومية.
فالجميع اليوم يرفع راية الدفاع عن الفقراء، وثقافة التفاقر موجودة بشكل ملفت في مجتمعنا من دون ان تكون للحكومة دراية بعدد الفقراء الحقيقيين،ولا تسوير لهم فلا يصل اليهم الا الفتات من الدعم الحكومي الذي يذهب الى الميسورين وتظل ازمات الماء والكهرباء عصية لسوء الأستخدام لعدم وجود الرسوم بحجة الفقراء .
ومن جانب اخر فالحكومة الألكترونية تضبط فرص العمل وتؤسس لعدالة توزيعها فليس مقبولا ان يكون احدهم موظف في الدولة ويملك دكاكين تدر عليه أرباح معتد بها ويمتلك (سايبة) لقضاء الوقت وتحصيل مصرف العائلة ولديه بيوت يستأجرها فانظر كم فرصة عمل يحرقها وتريد من الفقير ان يجد فرصة عمل !!!! ارجوا ان تفهمني ولا تقل لي اننا دولة نفطية عليها ان تخلق من الهور مرك والكصب خواشيك !!!
قلت: تقصد إن الحكومة تحصي فرص العمل فمهنة السياقة فرصة يجب عدم ممارستها ممن ليس هم اصحابها وبذلك يتوفر لهم مزيد من الأموال ولا يطالب الحكومة بفرصة عمل لأنها تعرف عمله. ولكن مايمنع الحكومات عن ذلك طيلة هذه الفترة، فلقد سمعنا بالحكومة الألكترونية منذ السقوط ؟
فنفض عبائته الرثة وهو ينطر الي نظرة شفقة على مستقبل هذا الشعب وقال وهو مدبر : ما يمنع ذلك وجود العقل الانتخابي !!!!!
وتطايرت علامات الاستفهام من رأسي أملا في لقاء اخر مع هذا السومري الهرم