الحرب التي يخوضها العراق ضد عصابات داعش، ليست أقل خطراً من العدو الداخلي المتمثل بالفساد، الذي يعشش في جميع مفاصل الدولة، والذي أستغل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وامتلاكه للسلطة، لكي يفرض سيطرته، ويوسع من سلطانه على حساب المصلحة العامة.
ما يتداول من معلومات عن حجم الفساد في العراق، ماهو الا ١٠٪ من الواقع الموجود، حتى أصبحت رواتب أغلب موظفي الدولة والرعاية الاجتماعية، والعاجزين، في طي النسيان, في بلد تجاوز تصديره النفطي الـ ٤ مليون برميل يومياً.
هذه السرقات كانت ولا زالت سابقة خطيرة، في تاريخ العراق الحديث، حتى أصبحت عرفاً سائد، أخذ يطبق بدون أي أهتمام أو تخوف من تبعاته القانونية، بسبب ضعف القانون وفساد المؤسسات الرقابية المسؤوله عن هذه الملفات.
” من أين لك هذا ” مبادرة وخطوة شجاعة، أطلقها رئيس الوزراء العراقي، لكنها في نفس الوقت أثارت العديد من التساؤلات ؟
أولها؛ من هي الجهة المسؤولة عن هذه المبادرة، هل هي هيئة النزاهة التي يمتلك فيها السيد المالكي ٣٦ مفتشاً عاماً من أصل ٣٨ مفتش، ولا ننسى أنها لم تكن حاسمة في قضية فساد ما منذ تأسسيها الى يومنا هذا، وأن من يديرها بالوكالة هو شخص ينتمي الى دولة القانون، التي تتحمل جزء كبير من قضايا الفساد في البلد.
أم أن رئاسة الوزراء هي من ستكون مسؤولة عن هذا الامر، وهنا ما زال كبار القوم يحكمون بقبضة من حديد، رغم أعفاء الأمين العام ومعاونيه في الآونة الاخيرة.
الامر الثاني؛ هل يستطيع السيد العبادي أن يكون شجاعاً ويتجرد من أنتمائه السياسي والعقائدي، ليحاسب ويحاكم من كان مسؤول عن دمار العملية السياسية للثمان سنوات الماضية؟
وهذا هو بيت القصيد؛ السرقات، وأسناد المناصب بالوكالة، وأحتكار المناصب المهمة، وأختفاء الميزانيات الانفجارية، وعمليات تهريب السجناء، وسقوط المحافظات، وغيرها من الانتكاسات التي تتحملها شخصيات حزب الدعوة.
هذه المعادلة تكاد تكون قصة من قصص ألف ليلة وليلة، ولا أعتقد أن العبادي سوف يكون كورباتشوف حزب ألدعوه، الذي سيقود الإصلاحات، لانه سوف يعمل على دمار حزبه السياسي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
هذا هو الواقع، لا يمكن محاسبة أو محاكمة المفسدين في هذه العملية مادامت التوافقية، والفئوية هي من تتحكم في أسناد المناصب والدرجات الخاصة، وأن أسنادها بالوكالة او الأصالة، لبعض الشخصيات المتهمة بقضايا فساد كبيرة هو خير دليل على ذلك.
خلاصتي هي؛ على السيد العبادي أن يفند جميع هذه التساؤلات، لان الإصلاحات ليست مطلب مزاجي حتى يتريث أو يستشير من هم سبباً في دمار العملية السياسية،
وأن يقلب الطاولة ويبرهن للناقمين على وضع الحكومة المزري، ومن يتظاهر من أجل الإصلاح ومعاقبة المفسدين، أن هناك فسحة أمل، لإنقاذ البلد رغم أنه قد وصل الى مرحلة خطيرة، وأن التشكيلة الجديدة قد جاءت لتصحيح المسار، لا لغير دلك.