17 نوفمبر، 2024 6:53 م
Search
Close this search box.

بعيداً عن الوجل والدجل

بعيداً عن الوجل والدجل

-1-
اذا كانت سيرةُ وعّاظ السلاطين قائمةً على أساس التملق والتقرب من الحكام والسلطويين ، فانّ هناك علماءَ أجلاّءَ لا يُداهنون ولا يجاملون بل يجبهون الحكّام بما لا يشتهون …، ويُسمعونهم مُرّ الكلام …، ويرفضون عطاياهم وهباتهم لكي لا يكونوا (أسرى) بين أيديهم …

ومن حكايات العلماء الأعلام من أهل المجابهة الساخنة للحكام نورد لكم هذه القصة التي رواها الطنطاوي في كتابه ( مع الناس) ص 172-173:

” قال : لما توالت الهزائم على مصر في حربها مع الحبشة ووقع الخلف بين قوّادها ،

قال الخديوي اسماعيل لوزيره شريف باشا :

ما ترى أن نصنع ؟

قال :

نجمع العلماء ليقرؤوا صحيح البخاري “

انها شيطنة من “الوزير” المتشبث بمظهر الصالحين الورعين الحريصين على استلهام البركات من خلال قراءة الأحاديث النبوية الشريفة .

ويقيناً أنّ الوزير أراد التحصن بالتدين والقداسة في موقف بالغ الخطورة على البلاد والعباد …

وقد أخذ الخديوي باقتراحه :

{ فجمع العلماء في الجامع الازهر ، وجعلوا يقرؤنه والهزائم تتتالى ، فجاء الخديوي بنفسه الى الازهر فصاح بالعلماء وبالشيخ العروسي شيخ الازهر وقال لهم بلهجة المغيظ …

إما أنّ هذا ليس البخاري ،

أو انكم لستم العلماء }

انها كلمات قاسية في تحدي العلماء الذين آثر معظمهم الوجوم والصمت

” ولكنّ عالماً من آخر الصفّ لم يصمت بل صاح به :

منك يا اسماعيل !! فانا روينا عن النبي (ص) قال :

{ لتأمُرُنَّ بالمعروف ،

ولتنهونّ عن المنكر ،

أو ليسلطنّ الله عليكم شراركم ،

فيدعو خياركُم فلا يستجاب لهم }

” ووقف الخديوي لحظة لا ينطق، ووجهه يتمعرّ من الغضب، ثم استدار فانصرف ومعه شريف باشا “

لقد تعرّض العالم الجرئ الذي ردّ على الخديوي اسماعيل كلامه الى نقد شديد من قبل زملائه ..!!

وما هي الا دقائق حتى “جاء الشرطة يدعونه لمقابلة الخديوي ” فقال الناس :

قد ذهب !

وعدّوه مع الموتى

وَحُمِلَ فاّدخل على الخديوي ، فاذا هو وحده ، ليس معه أحد فقال له :

أعِدْ علّ ما قُلْتَه ؟

فأعاد عليه

قال :

وما الذي صنعناه ؟

قال :

اليس الزنا مباحا ؟

أليس الربا مباحا ؟

أليس ؟

أليس ؟

قال الخديوي :

وماذا نعمل وقد اقتبسنا مَدَنِية اوربا وهذه عاداتها ؟

قال الشيخ :

فما ذنب العلماء ؟ }

انّ الخلل اذن في استنتاجات الخديوي الفاسدة وليس في العلماء ..!!

وكانت صفعة قوّية هزّت الحاكم في الصميم .

-2-

ويقول الطنطاوي ايضا (178) من الكتاب المذكور “

الشيخ سعيد الحلبي – عالم الشام في عصره – وقد كان في درسه مادّا رِجْلَهُ ، فَدَخَلَ عليه جبّار الشام ابراهيم باشا ابن محمد علي باشا صاحب مصر فلم يتحرك له ،

ولم يقبض رِجْلَهُ ،

ولم يبدّل قعدته

وتألم الباشا ، ولكنه كتم ألَمَهُ وذهب ، وَبَعَث بصرّة فيها الف ليرة ذهبية فردّها الشيخ وقال لمن جاء بها ، قل للباشا :

إنَّ الذي يمّد رجله لا يمّد يده !

انها الغرة المتوهجة …

وانها النفس الكبيرة التي تأبى الركون الى الجبّارين …

-3-

ولنختم بقصة الشيخ حسن الطويل – الاستاذ في دار العلوم – مع رياض باشا – رئيس وزراء مصر ووزير المالية – يوم زار مع وزير المعارف علي مبارك باشا دار العلوم

يقول الطنطاوي عن رئيس الوزراء المصري انه ( دخل غرفة الاساتذة ، فلما رآه الشيخ حسن قال له :

ياباشا :

أما آن لكم ان تجعلوني معكم وزيراً ؟

فدهش رياض باشا وقال له :

-ماهذا ياشيخ حسن ؟

قال : ما تسمع ياباشا

قال : فايّ وزارة تريد ؟

قال : الماليّة

قال : لماذا ؟

قال : لأستبيح أموالها ..!!

فغضب الرئيس قطع الزيارة وخرج وقال لمبارك باشا .

لابُدّ ان تُخرج هذا الرجل من خدمة الحكومة فوراً ” ص 178 / مع الناس للطنطاوي

لم يبال الشيخ حسن الطويل وهو يوّجه نقده اللاذع لرئيس الوزراء ووزير المالية، بما سيتخذه رياض باشا ضده من اجراءات، وانما كان يهتم بان يقرع جرس الانذار محذراً من الاستحواذ على المال العام واستباحته واتخذ من المطالبة بجعله وزيراً ،مدخلاً للتعريض بمن رآه يستبيح المال العام .

وحيث أننا في العراق الجديد قد ابتلينا بمن يتلذذ بالسطو على المال العام، والذي تجاوز المنهوب منه مئات المليارات من الدولارات، فنحن لانمل ولا نكل من المطالبة بمحاسبة الفاسدين والقراصنة سواء كانوا من الوزراء أم كانوا في مواقع أخرى …

وشتان بين الانتصار للشعب والوطن ومصالحهما وبين الانتصار لحفنة من السلطويين الفاسدين المفسدين .

ولن يصح في النهاية الاّ الصحيح .

[email protected]

أحدث المقالات