-1-
هناك رجالٌ تزدان بهم المناصب ، ذلك أنّهم يملكون من السمات والصفات والمواصفات، ما يجعلهم ملء العين والسمع، بل ملء القلب أيضا:
انّ الحقيبة الوزارية التي وَصَلَتْه مثلاً ،ينطبق عليها قولُ ابي العتاهية :
فلم تكُ تصلحُ إلاّ لَهُ ولم يَكُ يَصلحُ إلاّ لها
وهنا يمكن أنْ يُقال :
وُضِعَ الرجلُ المناسب في المكان المناسب ….
وحين يُوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، يمكن ان نتوقع بروز النجاحات والانجازات ، وهذا ما تنتظره الأمة من المسؤولين .
انّ المنصب ليس تشريفاً وانما هو تكليف .
وإنّ الوصف الدقيق للمسؤول – كبيراً كان ام صغيراً – هو أنّه خادم الشعب .
أليس رئيس القوم خادمهم – كما يقول المثل الشائع – ؟
ومِثْل هذا الرجل المدّجج بالمهنية والنزاهة، والمتمتع بالاخلاص والوطنية والغَيْرة على الصالح العام، لا يتشبث بالكرسي ، وانما يكون في الغالب زاهداً فيه ، ولذلك تراه يسارع الى الاستقالة متى ما شعر بانه لا يستطيع ان يؤدي دوره المطلوب ، ايثاراً للصالح العام، وتقديماً لمصلحة الشعب والوطن على مصلحته الشخصية .
ومِثل هذا المسؤول الشريف لا يداهن ولا يجامل على حساب المواطنين والموازين …
ولا يعتبر المنصب فرصةً للاستغلال والاستئثار بالمكاسب والامتيازات ، وزرع الأقرباء والأنسباء هنا وهناك، تفضيلاً لهم على سائر المواطنين الآخرين .
ولا يغض النظر عن المفارقات القانونية التي يُطلب منه أنْ يغض النظر عنها ..
ولا يتهاون في محاسبة المقصرين والمفسدين ، ذلك انّ التهاون معهم يعني الضياع والتضييع :
ضياع التطبيق السليم للقوانين والضوابط ،
وتضييع الحقوق والأموال العامة والخاصة …
وفي ذلك الخيانة للامانة، والنكوص عن النهوض بالمسؤولية على الوجه الصحيح .
وان أصحاب هذه النزعة الوطنية المخلصة من المسؤولين، يصبحون مدار التقدير والأكبار حتى لكأنهم النشيد العذب الذي تردده الألسن والشفاه .
-2-
وهناك آخرون ، جاءت بهم الى السلطة معادلاتٌ ما أنزل الله بها من سلطان …
جاءت بهم المحاصصات الحزبية والطائفية والقومية ، وهم لا يملكون من مقومات النجاح العملي شيئاً .
وهؤلاء اعتبروا المناصب ” غنيمة” وانتهزوا الفرصة للاستحواذ على المال العام ، وتسليط الأقرباء والانسباء والاتباع على الرقاب، بعيداً عن
الضوابط والموازين، وأظهروا من الجشع والطمع والغرور وقلة العناية بمن أوصلهم الى مواقعهم ما جعلهم منبوذين محتقرين .
أنّ قراصنة السرقة والنهب للثروة الوطنية هم الوجه الثاني للإرهاب المدمّر وعصاباته الغادرة
نعم انهما وجهان لعملة واحدة ….
وهؤلاء اليوم يواجهون ثورة الشعب على فسادهم وكياناتهم تلك الثورة التي نستمد قوتها من توجيهات المرجعية الدينية العليا ، التي أمرت بان يضربهم رئيس مجلس الوزراء بيد من حديد .
-3-
وخُيّل لبعضهم – وهو في سَكرةٍ من الغرور والطغيان – انّه يستطيع الحفاظ على كرسيّه دون منازع ، وانه يستطيع الإمساك بكل خيوط اللعبة …
ناسياً أنه ( لو دامت السلطة لغيره لما وصلت اليه )
وحسرةُ هؤلاء المتناسين للحقائق كبيرة ، ذلك انهم يجدون أنفسهم على حين غرّة خارج الملعب ، وليس بمقدورهم ان يلوموا أحداً على ذلك .
انّ عليهم ان يلوموا أنفسهم لأنهم انما يحصدون ما زرعوا ..!!
-4-
وفي كبير هؤلاء يقول شاعر معاصر :
لم يكن مُدْرِكاً بانَّ الكراسي
يَتَنَقَلْنَّ وهو عنها مُنَّحَى
رُبَّ اسمٍ قد كان يوماً شهيراً
وعلى حِينِ غِرّةٍ راح يُمحى
إنّ عشقَ المِلاحِ أهونُ ممن
عَشِق الحُكمَ مُسْتَمِيتاً مُلِّحَا
إنّ عشقَ الكرسيّ يُنذرُ بالويلِ
وهيهاتَ أمرُه أنْ يَصِحّا