إنَّ الجوهر في روح التشريع يرجع إلى اﻷصل .. والحالة هذه ؛ فإن أصل زيّ بنات بغداد هو الحجاب لا السفور. عليه ؛ فليس من حق أحد أن يعتبر السفور هو أصل المجتمع البغدادي ، بل هو دخيل عليه.
أسفري فالحجاب يا ابنة فهر هو داء في الاجتماع وخيم كل شيء إلى التجدد ماض فلماذا يقر هذا القديم ؟ أسفري فالسفور للناس صبح زاهر والحجاب ليل بهيم أسفري فالسفور فيه صلاح للفريقين ثم نفع عميم زعموا أن في السفور انثلاما كذبوا فالسفور طهر سليم
ومن خلال هذه اﻷبيات التي تعلم ثقافتها الشاعر البغدادي جميل صدقي الزهاوي من علمانية اﻷتراك المنفتحة على الغرب في ثلاثينيات القرن الماضي ، يتبين لنا كيف أن حالة السفور هي ليست أصالة من أصالات المجتمع البغدادي خاصة والعراقي عامة، بل هي حاجة منعكسة عن ضغوط اﻹنفتاح على الغرب التي انتشرت في العالم ووصلت آثارها مع (موضة) الحياة الجديدة التي تأثرت بالمجتمع الغربي ، بعد النجاحات والتفوق المدني والغزو الثقافي اﻷوروبي ووسائل اﻹحتلال التغييرية ، وإلاّ لما دعا إليه هذا الشاعر المتمدن . فأمهات و بنات بغداد والعراق لم يكن سافرات في اﻷصل ، كما أن الزي لم يكن عائقا” في يوم من اﻷيام حيال تحرر المرأة وإنطلاقها .. فها هي خديجة الكبرى(رض) وعائشة (رض) أمهات المؤمنين ، وها هي خولة بنت اﻷزور و الخنساء والحوراء زينب (ع) و مريم العذراء (ع) والشهيدة الخالدة بنت الهدى (رض) وهن ينطلقن في رسم مسارات التحدي لتخلف و طغيان عصورهن بأبهى معالم البطولات و عنفوان اﻹرادات ، دون أن يكون ذلك الزي الذي يراه جميل صدقي الزهاوي باﻷمس وهديل كامل اليوم معوقا”من معوقات الحضارة اﻹنسانية والتقدم !