أي شخصية عراقية كان لها أكبر الأثر في هذا البلد المضطرب على مدى الاثني عشر شهرا الماضية والذي يعيش فيه أكثر من 30 مليون شخص؟
يقول مراقبون إنه توجد عدة اختيارات واضحة. على سبيل المثال، رجل الدين الشيعي البارز علي السيستاني الذي انحرف على غير عادته، عن مساره “الهادئ” المعتاد – حيث أنه عموما يفضل عدم التدخل في السياسة – ليحدث تأثيرا قويا جدا على السياسة العراقية والجيش العراقي هذا العام.
وبعد ذلك، هناك الإقليم الشمالي المتمتع بحكم شبه ذاتي في كردستان العراق، حيث هناك طبعا مسعود بارزاني، والذي لايزال رئيسا للإقليم وما زال يمارس صلاحيته كرئيس حتى هذا اليوم. ولقد أدى إصراره على الاحتفاظ بموقعه الحالي إلى تعليق الإجراءات الديمقراطية في الإقليم.
وإذا كان الميل على هذا النحو، فهناك أيضا أمثال أبو بكر البغدادي زعيم الجماعة المتطرفة التي تعرف باسم الدولة الإسلامية والتي تسببت بمجموعة من الأزمات الأمنية في العراق، بدءا من منتصف عام 2014، التي أدت في الممارسة إلى اضطرابات كبيرة وعملت نظريا على تعميق الخلافات الاجتماعية والسياسية القائمة.
ومن المثير للاهتمام أيضا أن أيا من مواقع المحررين العراقيين أو الصحفيين على شبكة الإنترنت لم يختر رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي ليكون شخصية العراق لعام 2015، على الرغم من كل الجهود التي يبذلها.
وفي ما يلي عدد من الاختيارات التي قد لا يوافق الجميع على بعضها، أو ربما لن يوافقوا على أي واحد منها، وسينقسم العديد من القراء وفقا لانتماءاتهم الخاصة.
المتظاهرون العراقيون
على الرغم من أنهم قد عانوا الأمرين ـ ويعرف معظم العراقيين الذين قد تلتقيهم معرفة جيدة أشخاصا ماتوا موتا عنيفا ـ ما زال لدى السكان المحليين الذين بدأوا المظاهرات الشعبية ضد الفساد القضائي والسياسي فضلا عن نقص الخدمات العامة في البلاد، بعض الأمل بأن تتغير الأوضاع في بلدهم نحو الأفضل.
وهناك العديد من الشباب العراقيين ما زالوا يريدون ترك البلاد (وهم بالفعل يتركونها، لاسيما بعد أن ظهر أن أوروبا قد فتحت لهم حدودها في منتصف هذا العام) للوصول إلى مدن لا تكون فيها السيارات المفخخة حدثا عاديا، إلا أن أولئك الذين خرجوا إلى الشوارع للمناداة بالتغيير كانوا مستعدين لذلك.
انه ليس بالعمل السهل حيث تكون في موقع لا تعرف فيه ما إذا كان الجنود الذين يحرسون التظاهرة سيوجهون أسلحتهم عليك أم لا، لقد أسفرت التظاهرات عن إعطاء بعض الوعود الهامة لإصلاح حقيقي لم يعط مثلها منذ سنوات، وجاءت هذه الوعود مدعومة – وربما كان ذلك أهم ما ميزها – من قبل الشخصيات الدينية العليا في العراق.
وعلى الرغم من أنه من المرجح أن يستغرق تحقيق تلك الوعود وقتا طويلا جدا – هذا إذا ما تم تحقيقها بكاملها فعليا – فإن المتظاهرين الذين بدأوا هذه العملية بحسن نية يستحقون أن يحتفل بهم لشجاعتهم وأملهم في بلد أصبحت فيه الشجاعة والأمل سلعتين نادرتين لاسيما في الوقت الحالي.
السيستاني صاحب تأثير قوي
علي السيستاني هو المرجع الشيعي الديني الأعلى للشيعة في العراق، يتبعه ملايين العراقيين، ويمتلك تأثيرا معنويا على العملية السياسية في العراق، منع حصول رئيس الوزراء السابق نوري المالكي على ولاية ثالثة، ودعم حكومة حيدر العبادي عندما حاولت إيران إسقاط حكومته، ويقول البعض إن السيستاني يقف ضد النفوذ الإيراني في العراق، ويرفض ولاية الفقيه، ويسعى إلى دمج الفصائل الشيعية في القوات الأمنية، ويرفض بقاء هذه الفصائل قوة غير نظامية.
ووفقا لبعض الآراء المنحازة له فإن مواقف السيستاني “تتميز بالاعتدال، وهو يتعامل مع الأحداث السياسية والأمنية الكبيرة بحكمة ويبتعد عن التحشيد الطائفي، وهو ابرز المطالبين بالحوار مع الطائفة السنية”، وتذكر هذه الآراء بأن “السيستاني اعترض على ضرب التظاهرات السلمية في الأنبار في 2013”.
وعندما هاجم تنظيم الدولة الإسلامية العراق، اصدر فتوى دينية إلى كل العراقيين بالدفاع عن ارضهم، وبسبب هذه الفتوة نجح العراقيون في منع تنظيم الدولة الإسلامية من السيطرة على بغداد، وأغلب الشيعة مستعدون لتنفيذ اي قرار يتخذه السيستاني دون تردد.
ويذكر بعض المراقبين المقربين من السيستاني أنه أعلن خلال التظاهرات التي جرت في بغداد في اب/اغسطس 2015 من قبل منظمات المجتمع المدني، عن “دعم المتظاهرين على الرغم من ان بينهم اعضاء في الحزب الشيوعي”، ويرفعون شعار أن “السياسيين العراقيين يسرقون البلاد باستخدام الدين”.
والسيستاني “لم يعترض على ذلك، عندما حاولت إيران استغلال هذه التظاهرات لإسقاط العملية السياسية وتغيير الدستور رفض السيستاني ذلك، وأعلن تأييده للعملية السياسية ورئيس الوزراء حيدر العبادي”.
ويضيف هؤلاء أن “السيستاني يلتقي بجميع الطوائف وخصوصا السنة، ويرسل مساعدات كبيرة من المواد الغذائية إلى النازحين في الأنبار، ويقول السيستاني خلال خطب الجمعة ان على الحكومة حماية الأبرياء السنة خلال العمليات العسكرية، كما طلب من الحكومة تطويع السكان السنة في القوات الأمنية”.
وبالنسبة إليهم فإن “السيستاني يرفض إطلاق اسم ‘الحشد الشعبي’ على الفصائل الشيعية، وهو يسمي الفصائل الشيعية بـ’المتطوعين’ لأنه يعتبر مهمتهم محدودة وهي القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، وعندما يتم القضاء عليه يجب ان يعود المتطوعين الى العمل المدني، ولكن ايران تسعى الى جعل الفصائل الشيعية قوة مستقلة عن الدولة”.
ويؤكد هؤلاء أن “السيستاني يرفض ذلك ويطالب الحكومة بدمج الفصائل الشيعية في قوات الجيش والشرطة”.
ويستدل المقربون من المرجع الشيعي على مواقفه “الإيجابية” بالتذكير بان “السيستاني ينتقد كل من يرتكب اخطاء في العراق، وهو ينتقد السياسيين الشيعة وقادة ‘الحشد الشعبي’، وهو انتقد من اختطف مواطنين قطريين قبل ايام، وقال ان هذا الاختطاف غير قانوني، وطالب الحكومة بإطلاق سراحهم، السيستاني هو الرجل الوحيد في العراق الذي يتصرف بحكمة ولم يفقد تأثيره منذ عام 2003 وحتى الان”.
ووفقا لنفس المصادر فإن “المحللين الغربيين يولون دائما إنه لولا السيستاني لكان العراق مقسما الآن”.
هادي العامري
إذا كان عام 2014 هو عام المجموعة المتطرفة التي تعرف باسم الدولة الإسلامية بامتياز، فإن الكثير من عام 2015 هو عام الميليشيات الشيعية في العراق، فبعد تشكلها نتيجة لدعوة أطلقها علي السيستاني أكبر مرجعية دينية شيعية في العراق، أصبحت هذه الميليشيات التطوعية مشهدا مألوفا في العديد من الشوارع في جنوب العراق بعد أن كانت مجموعة غير منظمة من الوطنيين، كما وأصبحت جيشا غير رسمي يقبض رواتبه من الحكومة التي أخذت قوتها بالازدياد يوما بعد يوم.
ويشعر الناس العاديون في العراق بالقلق إزاء نقاط التفتيش التي تديرها الميليشيات والتي تنتشر في مدنهم وبلداتهم، وهم أيضا يشعرون في الوقت ذاته بأنهم ممتنون لهذه الميليشيات، وحتى مع المحاولات التي تبذل لكبح جماحها لا يوجد هناك أدنى شك لدى أي إنسان عراقي بأن هذه الميليشيات المثيرة للجدل ستستمر في لعب دور رئيسي في السياسة العراقية حتى بعد طرد جماعة الدولة الإسلامية من المدن العراقية.
وتغطي الميليشيات المعروفة محليا باسم الحشد الشعبي، أو وحدات التعبئة الشعبية، مجموعة كاملة من المصالح السياسية الشيعية في العراق ويترأس هادي العامري منظمة بدر، وهي واحدة من أكبر هذه الجماعات، والتي لها علاقات مع كل من إيران ونوري المالكي، رئيس الوزراء السابق للبلاد المثير للجدل.
والعامري، الذي هو أيضا وزير النقل السابق في العراق، يظهر في كثير من الأحيان في الصور الملتقطة مع كبار القادة العسكريين الإيرانيين ـ ومع الشخص “الأسطوري” قاسم سليماني على وجه الخصوص ـ كان قد قال علنا بأن إيران هي أفضل صديق للعراق.
وقد دمج أيضا شعبية ميليشياته وقوتها بالسياسة، وذلك باستخدام منصبه كرئيس لهذه الميليشيات لتسجيل نقاط ضد المعارضين السياسيين، بمن فيهم رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي.
بطرحه العسكري ومناورته السياسية، يمثل العامري بشكل جيد التأثير المتزايد للميليشيات الشيعية في البلاد على حياة الشعب العراقي طوال عام 2015، وسيظل يمثل هذا التأثير على الأرجح، في المستقبل أيضا.
هيرو إبراهيم زعيمة الظل
المنصب الرسمي لسيدة العراق الأولى (2005 ـ 2014) في حزبها الاتحاد الوطني الكردستاني، هو عضو المكتب السياسي فقط الا انها فعليا زعيمة الحزب ومنطقة شاسعة في الإقليم في الظل.
ومع قلة ظهور هيرو ابراهيم احمد في الإعلام والمناسبات العامة إلا انه من الصعب اجراء تغيير في اقليم كردستان دون موافقتها.
وقد عينت ابنها نائبا لرئيس حكومة الإقليم كما أنها تدير علاقات حزبها مع بغداد وإيران والقوى السياسية الأخرى في كردستان والخارج.
نوشيروان مصطفى مؤثر جدا؟
قد يكون نوشيروان مصطفى المنسق العام لحركة التغيير احد أكثر الشخصيات السياسية في إقليم كردستان تأثيرا ليس في العام الماضي فحسب بل خلال الأعوام الستة الماضية على التوالي.
ويشهد له أصدقاؤه ومعارضوه انه رجل يمكنه تحريك الخيوط كسياسي ماهر وله قدرة كبيرة على تهدئة الأوضاع في كردستان وتأزيمها.
وعندما كان حزبه في المعارضة احدث تغييرا كبيرا في الحياة السياسية في كردستان وعند دخول حزبه للسلطة وتسلمه منصب رئيس البرلمان وعددا من الوزارات الاخرى اصبح منذ شهر حزيران/يونيو 2015 أكبر عقبة أمام إمكان تمديد ولاية بارزاني بجميع صلاحياته.
ميسون الدملوجي
نائبة في البرلمان العراقي عن الكتلة العراقية ورئيسة لجنة الثقافة والإعلام، من خلال رئاستها للجنة قامت بمساندة كبيرة لمنظمات المجتمع المدني ومنحتها دورا كبيرا في تعديل القوانين التي تشرف عليها لجنتها وعقدت جلسات لقاء عدة مع تلك المنظمات والصحفيين لأخذ ملاحظاتهم على القوانين بعد انتهاء القراءة الأولية عليها مما ساعد في عدم تمرير القوانين بصيغها التي تنتهك حقوق الإنسان، ورغم زواجها من شخص ينتمي الى كتلة القانون في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، لكن هذا الزواج لم يؤثر على مواقفها إزاء دعم المجتمع المدني.
بارزاني واجهة سياسية لكردستان
على الرغم من ان ولاية بارزاني رئيس إقليم كردستان قد انتهت رسميا في التاسع عشر من آب/اغسطس 2015 إلا انه ظل في منصبه كشخصية مؤثرة.
وكان غياب جلال طالباني الامين العام للاتحاد الوطني الكردستاني للعام الثاني على التوالي بسبب المرض قد منح بارزاني فرصة ليصبح في المرتبة الأولى كشخصية كارزمية سياسية في الإقليم إذ يعتبر الواجهة السياسية للإقليم على مستوى العلاقات مع بغداد والخارج ويتم التعامل معه.
كما جعلت الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (الدولة الإسلامية) على طول حوالي ألف كيلومتر من الحدود مع الإقليم من بارزاني احد شخصيات المواجهة بالنسبة للعالم كما أظهره استقبال النازحين السنة والمسيحيين والإيزيديين في الاقليم كأحد رموز حماية الأقليات.
الحمداني ‘رمز’ الميديا القادرة
لعب أنور الحمداني مقدم برنامج أستوديو التاسعة في فضائية البغدادية التي تبث من القاهرة دورا مؤثرا في الشارع العراقي خلال السنة الماضية وما سبقها، تأثير الحمداني شمل آلاف المتابعين العراقيين في الداخل والخارج، بانتقاده المالكي وحكومات الأحزاب الإسلامية المتعاقبة وكشف ملفات الفساد، وهو ما يؤكد قدرة الميديا في تحريك الجماهير.
فيان دخيل
هي صاحبة الصرخة المدوية التي نبهت العالم لجرائم تنظيم “الدولة الإسلامية” ضد الايزيديين. شاركت بعمليات إخلاء المحاصرين في سنجار ولم يثنها كسر ساقها بسقوط مروحية على الجبل عن قيادة حملة إعلامية واسعة في المحافل الدولية لتحرير المختطفات الايزيديات وأثمرت جهودها عن إنقاذ بعضهن وما زالت تعمل لأجلهن. فازت بجوائز عالمية أبرزها “برونو كرايسكي” لحقوق الإنسان و”تكريم” للمرأة العربية الرائدة.
وتصورها بعض الآراء على أنها كانت من ابرز الشخصيات العراقية لعام 2015 لما قدمته للقضية الايزيدية التي أثارت تعاطف العالم كله، وقد ساهمت بجذب انتباه وسائل الإعلام وبعض قادة العالم الغربي، كما حظيت باحترام واسع في العالم العربي، وقد نالت جوائز كثيرة، وإضافة الى انها نشطة إعلاميا، فقد عملت على اطلاق سراح بعض المختطفات من قبضة الدولة الإسلامية وتأهيل المحررات منهن. (نقاش)