يعتمد المختصين بتعريف مفهوم الأزمة والأزمات, على فكرة مفادها أن الأزمات السياسية تبدأ بالخلاف والتباين بين طرفين أو أكثر – في الحالة العراقية : (بين الشعب والحكومة), ويذهب البعض منهم إلى أن هذا الخلاف قد يتطور إلى صراع إرادات, والصراع إلى مشكلة, وقد تتحول المشكلة بدورها إلى أزمة عاصفة, وفي حالة عجز الأطراف المعنية, من التوصل إلى حل أو قرار بشأنها, فإن الأزمة قد تتحول إلى مجابهة, تبدأ مدنية سلمية لتنتهي مسلحة عنفيه, وإذا دخلت أطراف خارجية , وأجندات مقصودة , قد تتحول المجابهة إلى قتال أو حرب لا تحمد عقباها.
يقاس نضج النظام السياسي ورجال الدولة الذين فيه, من خلال نجاحه في احتواء مثل هذه الأحداث, وتبني حزم إصلاحات واسعة, يحاول من خلالها إصلاح الخلل, وتغيير الوضع المعوج والمنحرف, ومحاربة الفساد وأدواته وأذرعه ومؤسسيه ومافياته.
الأزمة التي يمر بها العراق الآن, سواء أكانت أزمة سياسية أو مالية أو أزمة ثقة, بين المواطن والمسئول (الحكومي والبرلماني والقضائي) تبقى مع ذلك حالها حال بقية الأزمات التي إذا تمكن طرفيها من تفكيكها, وعلاج أشكالياتها علاجا صحيحا , فإنها قد تتجه نحو الحلول الحقيقية, وإن كانت حلول جزئية , لا ترضي الطرفين.
إلا أن المشكلة أكثر تعقيدا, فتراكم الإخفاقات, وتراكم آليات التحايل على القانون, سهلت وفتحت الباب مشرعا, لكل من تسول له نفسه سرقة المال العام, حتى باتت هناك ثقافة قائمة في السلك الإداري, للطبقات البيروقراطية العليا في البلد, وأقصد بها: بيع المناصب! فلكل منصب سعر, ولكل منظومة مناصب جهة معينة تسيطر عليها, والكل سيكون مرتبط بالنتيجة بإدارة عليا للبلد, تغض البصر, بل وتحاول أن تمد أذرعها الأخطبوطية؛ نعم , هذا هو حال العراق, خلال الــ 8 أعوام السابقة من عمر الحكومتين السابقتين.
المشكلة الحقيقية لا تكمن في نفس عملية الفساد, بل الأخطر هي أن هناك عملية تأسييس ممنهج لبيروقراطية وظيفية فاسدة, ضربت بأطنابها في عمق الدولة العراقية, وتشبثت بكل المفاصل, بحيث أصبحت عملية الإصلاح صعبة جدا, وتحتاج إلى نهضة ونكران ذات, وتحتاج إلى قوة مضمونها اجتماعي, متسلحة بعقيدة أو مقبولية شرعية, مع توفر الظروف المناسبة, فكانت المظاهرات الشعبية التي انطلقت من وعي أغلب شرائح الشعب, بأن ما يحصل من الفساد, هو استمرار لعهد الدكتاتوريات السابقة التي أهلكت الحرث والنسل.
توفر الظروف المناسبة لقيام هذه التظاهرات تلخص في: زوال حكم دكتاتوري فاسد, تسلط على رقاب العراقيين خلال 8 أعوام بعد التغيير, ودفع المرجعية الدينية والروحية, والتي تمثل الجانب ألعقيدي والشرعي لأبناء المجتمع العراقي, باتجاه النزول إلى الشارع.
لقد حل العراق خلال عمر الحكومتين السابقتين, في المرتبة الرابعة ضمن الدول العشر الأكثر فسادا في العالم, وفقا لمؤشر الشفافية الدولية, والذي شمل 174 دولة, والغريب في الأمر أن المنظمة, قد عدت هذا الأمر متوقعا في بلدٍ كالعراق, تم حكمه بفوضوية سياسية واقتصادية, مع إجرامية فساد وسرقة! وهذا إن دل على شيء, فإنما يدل على أن المفسدين– وإن أزيح صنمهم- لازالوا يتمتعون بالحرية والحصانة! سهل تحركهم هذا ضمن جو من التقصير وعدم المهنية الوظيفية, حيث غياب الحسابات الختامية, وضعف الرقابة على
المؤسسات والمشاريع؛ وضعهم في خانة التسلط على مقدرات هذا البلد, بلا رقيب أو حسيب ! مما جعل بلدنا يفوز بالمراتب الأولى بالفساد واللامهنية الوظيفية!