23 ديسمبر، 2024 10:44 م

حضيري يبيع الورد في التظاهرات

حضيري يبيع الورد في التظاهرات

يتذكر العراقيون الأغنية الأسطورية ( عمي يبياع الورد ) للمطرب العراقي الراحل حضيري أبو عزيز ، وماذا كانت تحمل من شذى ذكريات أزمنة حلوة كانت فيها رؤى المودة والثقافة وألفة العيش تغمر عوالمنا من الطفولة الى الصبا وحتى أيام الجيش ، تلك الاغنية التي أطلقت صدى فؤادها العذب من مبنى الاذاعة العراقية في بواكر التأسيس في النصف الأول من القرن العشرين وما زالت تعيش ألقها الربيعي حتى في زمن العولمة والدبابات ومنتديات دافوس وتظاهرات ساحة التحرير في بغداد وباقي مدن العراق .

عادت هذه الأغنية التي تسكن البدن العراقي من الرأس حتى القدم ، تهيج في مخيلتي هوس محبة الوطن البعيد حين شاهدت على فضائية عربية  أطفال ذلك البلد يؤدون هذه الأغنية الساحرة من خلال لوحة راقصة في احدى الكرنفالات فتمنيت ان احمل هذه الاغنية الان الى بلد المتظاهر من اجل احلامه وخنق اللصوص   واشاهد الاطفال والمتظاهرين ببدلاتهم الملونة يؤدون الأغنية ــ العراقية ، الأممية ــ ( عمي يبياع الورد ) للمطرب العراقي ، والمولود في مدينة الناصرية / 360 كم جنوب بغداد / حضيري أبو عزيز والذي بدأ حياته خياطاً مع عمه في مدينة الناصرية ، ثم شرطيا ، ثم مطربا متقاعدا الى حين وافته رحمه الله بداية السبعينيات ، والذي شارك رفيق صباه والفن الراحل داخل حسن في رفد التراث الغنائي العراقي بمجموعة لا تُنسى من الأغنيات الساحرة والمثيرة .

وحتما كل الاطفال الذين رقصوا على أنغام هذه الأغنية المتوهجة في ذلك البلد العربي   يعرفوا مطرب الأغنية الأصلي ولم يشاهدوا وجهه البريء برأسه المدور الكبير ولم يعرفوا إنه سجل أجمل اغنياته على أسطوانة بتسجيلات في مدينة حلب ، ولكنهم حتما يترحمون على تلك الحنجرة التي أطلت على خواطرهم البريئة بهذه الاغنية السومرية العذبة ويتمنون أن يلتقطوا صورة ذكرى مع مطربها دون أن يعلموا إنه رحل عن هذا العالم منذ عشرات السنين لاتعرفون مقدار بهجة عراقيو المهجر حين تطل موسيقى الحلم العراقي في شوارع الغربة ، ورغم إن امنيتي هي أن أرى أطفال العراق يؤدون تلك الاغنية بشجن البراءة في واحد من أعياد البلاد ومواسمها وتظاهراتها ، إلا ان هذا قد يكون مؤجلاً الان بسبب ما يحصل من عنف وإرهاب وأرتداء المدن ثوب الظلمة والحذر جراء نقص امدادات الطاقة وكثرة السيارات المفخخة .

مما يجعل الورد يهاجر مع أغانيه الى البلاد الاخرى كما يفعل غيره من مسببات الجمال والفن والادب .

لا تعرفون مقدار الفرح والحزن وهما يختلطان في دمعة واحدة ، وأنا ارى حنجرة حضيري أبو عزيز تداعب بالمودة والنغم صباحات الطفولة العربية وهي تحتفي بالورد . وقارنت ذلك بإحتفاء أطفال بلادي ، فبين الوردة والدبابة ، الف سنة ضوئية ، بين الوردة والحزام الناسف الف مجرة سماوية ، بين دمعتي وقبر حضيري رحلة كاملة لأبن بطوطة .

وبالرغم من هذا يتهيج شجن الشوق الى العراق وهو يرتدي في دمشق فرحة السماع لاغنية ( عمي يبياع الورد ..قلي الورد بيش)..وأتمنى للرائع حضيري ابو عزيز ان يحمل باقات ورده ويهديها للمتظاهرين مجانا لأنه لايقبل ابدا ان يبيع الورد لأناس يقفون تحت لهيب درجة الحرارة الخمسين من اجل ان يكسروا اصنام الفساد.