كان الشارع يغلي والأحزاب بدأت ترتب أوراقها بل أعد بعضها جماعاته المسلحة ووضعت خطط للمواجهة والدفاع عن النفس ، العبادي وفريقه وحكومته أشبه بركاب زورق صغير تائه في عرض بحر هائج ، المظاهرات انطلقت بقوة وبأسماء وعناوين مختلفة آخذه بالتصاعد المستمر ، الحشد الشعبي وضع صوته الى جانب المتظاهرين ، لا جديد في الأفق السياسي وهرولة في نفس المكان بدون اي تقدم ، إنسداد تام وحالة برود في كل شيء ، باستثناء غضب جماهيري عارم وجرأة غير معهودة للشارع العراقي وان كانت هذه المشاعر على الطريقة العراقية التقليدية بدون ضوابط وبدون قيادة وبدون شعارات موحدة وكادت ان تكون النتيجة نفس احداث 1991 انتفاظة عارمة لكنها تفتقر لكل مقومات النجاح والإستمرار او حتى التصحيح لاحقا.
احداث الخلاف حول تسمية رئيس الوزراء عادت ولكن بصورة مختلفة وكان على المرجعية ان تتدخل مرة اخرى بقوة وبحسم لكي توجه الأمور مثلما تدخلت آنذاك ووجهت الامور حسب قناعتها بأنه الحل الوسط الذي قد يرضي كل الأطراف وقد يزعجها في نفس الوقت بنسب مختلفة لكنه الحل الذي يساعد ان تمشي الامور للأمام بدون تتلكأ او تتراجع .
جاء قرار المرجعية مرة اخرى في سلة العبادي ــ الحل الوسط ــ ولكن على صورة دعم مباشر لإجراء حزمة إصلاحات سياسية ضرورية وسريعة تساعد على استيعاب حالة الغضب الجماهيري وتصحح الامور بقوة تأثير الدعم المرجعي المباشر.
قرار المرجعية اجراء إصلاحات حاسمة يرضي الرأي العام العراقي والجماهير الغاضبة او التي تريد أو تطالب بالإنتفاض على كل شيء بدون بعد نظر لما ستؤول اليه الأمور .
قرار المرجعية يرضي المجلس الأعلى والتيار الصدري ومن يفكر مثلهم بإبقاء دفة الأمر بيد العبادي الذي تحالفوا معه في تشكيل الحكومة بدون ان تخرج الدفة او تعود الى المالكي او اطراف قريبه او متحالفه معه كما يتخوفون او يتوقعون.
قرار المرجعية يرضي حزب الدعوة ودولة القانون لانه في النهاية ابقى القرار ضمن اطار حزبهم وكتلتهم رغم التفاوت.
قرار المرجعية رسالة لفصائل المقاومة ومن يتحالف معها بان ساحة المنافسة هي الانتخابات البرلمانية القادمة فقط وليس قبلها.
قرار المرجعية يرضي الآخرين سنة وأكراد والباقين في الداخل الخارج عموما لانه حافظ على التوازن العام في التحالف الوطني الشيعي والذي اذا تزعزع تخلخل معه عموم الوضع العراقي ان لم أقل ينهار بالكامل.
في نفس الوقت فان قرارها قد ازعج كل هؤلاء لاسباب خاصة اخرى يطول الحديث حولها…
اعتقد ان المرجعية العليا قد أثبتت قدرة نادرة على الفهم والتأقلم مع الأحداث والنجاح في اختيار الحل الوسط بناء على قاعدة خير الأمور اوسطها لكي تدفع بالوضع العراقي نحو الأمام وان كان ببطئ لكنه افضل الحلول وأقلها خسائر حسب ما أفهمه من مواقفها.