ديفيد ويلي/ ميليتري أند ديفنس
تعد الصادرات النفطية حتى اليوم الجزء الأهم في الإقتصاد العراقي حيث تشكل بمجموعها حوالي نصف الناتج المحلي للبلد و90% من الإيرادات الحكومية.
ونظرا لإعتماد الدولة على النفط، الأمر الذي دفع بالمستثمربن إلى إيلاء إهتمام كبير بأحوال الصناعة، واليوم يجري الخلط بينها.
ومن الناحية الإيجابية، يبدو أن البلد يضخ ويصدر أكثر مما كان متوقعا، وهو ما يقرب من اربعة ملايين مليون برميل في اليوم، وذلك بفضل الاستثمار في الانتاج.
وتبدو الحكومة في بغداد أنها على علاقة أفضل مع كردستان، وهو الإقليم الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي- كما أنها حافظت على بنود الإتفاق حول ميزانية العام 2015، مع دفع مبالغ مالية أقل مما وعدت سابقا وتوفير كميات من النفط أقل مما وعدت في وقت لاحق.
ولكن الصناعة النفطية العراقية، والميزانية الحكومية، تقلصت بفعل إنخفاض أسعار النفط.
ونتيجة لذلك، تعرض الوضع المالي للبلاد إلى ضربة قوية، فقد هبط سعر النفط في السوق إلى النصف الآن ويحتاج إلى نقطة تعادل، وتوسيع العجز في الميزانية، والتنبؤ بالعودة إلى التوازن حتى ظهور داعش، إلى النسبة 9% المتوقعة من الناتج المحلي الاجمالي.
في السابق، كان قادة العراق يقرون الميزانيات من دون الأخذ بالحسبان وبجدية إنخفاض اسعار النفط، واليوم يجبر النقص الحاد في الايرادات هؤلاء القادة على خفض الاستثمارات الجديدة، ووفقا لذلك فإن شركة لوك أويل الروسية ورويال داتش شل، وإي أن آي الايطالية شملها أيضا التخفيض، وتتطلع حاليا إلى الانفتاح الإقتصادي المعلق لإيران المجاورة كبيئة استثمارية أكثر أمنا.
وبرغم التحسن الذي طرأ على الوضع المالي بعد انسحاب القوات الأمريكية في العام 2011، فإن انخفاض أسعار النفط وإرتفاع تكاليف القتال ضد داعش دفع بالإقتصاد العراقي إلى حالة شبة أزمة، ووفقا لصندوق النقد الدولي، فإن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد انكمش بنسبة 2.7% في العام 2014، بمعدل بطالة تقدر بأكثر من 25%.
وقد صنف البنك الدولي العراق بإنه واحد من أسوأ الأماكن في العالم للقيام بأعمال تجارية في عام 2015، فقد جاء العراق بالتسلسل 156 من بين 189 بلدا. وتجري الحكومة محادثات مع صندوق النقد الدولي حول قرض بقيمة تصل إلى أكثر من 800 مليون دولار لتمويل بعض العجز في الميزانية. ومع ذلك، يتطلب على البلاد إجراء مزيد من الاصلاحات الاساسية إذا ما أرادت تحقيق استقرار اقتصادي طويل الأمد.
وترتبط مشاكل العراق الإقتصادية بالمعارك المكلفة على نحو متزايد ضد داعش الذي يسيطر على أجزاء كبيرة من محافظتي الانبار والموصل وهي ثاني أكبر مدن البلاد.
ولأجل وقف التمرد، دعا العديد من المحللين، الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة، إلى التصالح مع الأقلية السنية، إلا أن لدى السنة قائمة طويلة من المظالم الناجمة عن الاعمال الوحشية التي ارتكبت خلال الحرب الأهلية في ظل الاحتلال الأمريكي والصراع السياسي الحاد عقب الانسحاب الأمريكي.
ويدعي السنة العراقيون أنهم مستهدفون من قبل القوات الأمنية عقابا على تواطئهم مع التمردين مثل تنظيم القاعدة في العراق وتنظيم داعش. ولربما ساهمت الأنباء، عن الاعتقال من دون أدلة، واستخدام القوانين الخاصة باجتثاث البعث من أجل ابعادهم عن الوظائف الحكومية المربحة، والإخلاء القسري من منازلهم، بصعود تنظيم داعش. وينظر العديد من السنة إلى المجاميع المتطرفة بأنها المفضلة لهم على كل من الحكومة التي يقودها الشيعة والقوات الأمنية الحالية.
لكن الانقسام بين السنة والشيعة في العراق هو أحد الأعراض لمشكلة أكثر جوهرية المتمثلة بسوء الإدارة. وقد كتب لؤي الخطيب لمعهد بروكينغز، مفسرا كيف جرى تركيز السلطة إلى حد كبير بيد فرعها التنفيذي والبيروقراطيين، الذين لديهم سلطة تقديرية واسعة لتنفيذ سياسة ما من دون رقابة السلطة التشريعية أو القضائية.
إن السلطة القضائية، التي هي بالفعل في وضع غير مؤات بعد سنوات من عدم الاعتداد في عهد صدام، تخضع اليوم لضغوط من جانب السلطة التنفيذية ولا تقوم بتطبيق حقوق الملكية بصورة صحيحة، حيث تفاقم فيها أيضا الفساد بعد الانسحاب الامريكي في عام 2011.
وبدلا من أن يكون العنف المتواصل سببا في فقر العراق، أصبح اليوم جزءاً من دائرة تغذي مؤسسات البلاد الضعيفة، التي وصفها لها اقتصادي ستاندفورد باري وينكاست بأنها “فخ العنف”.
تتطلب المشكلة الرئيسة في الحد من العنف على المدى الطويل تهيئة فرصا بديلة، وإن هذه الفرص تميل إلى الحاجة إلى الإصلاح الذي يحترم بموجبه سيادة القانون، وحماية حقوق الملكية، وتشجيع التجارة. ومع ذلك، فإن هذه الإصلاحات نادرا ما تغيب عنها انواع الفرص التي من شأنها التقليل من العنف في المقام الأول، لذلك فإن الدول التي يجري حكمها على نحو سيئ مثل العراق تكون محاصرة بدائرة العنف.
ويتضح التهديد على المدى الطويل، الذي يشكله العنف على مستقبل العراق، من خلال الدور المتزايد الذي تلعبه الميليشيات الشيعية، والتي غالبا ما يكون تدريبها وتمويلها من قبل إيران وإنها غير مرتبطة بالحكومة العراقية، حيث تقاتل هذه الميلشيات اليوم داعش. ويقول مراسل الفاينانشيال تايمز بروزو دراكاهي إن هيمنة الشيعة على الأجهزة الأمنية “سيكون له الأثر الأعمق والدائم على العراق”.
وقد اقنعت الطائفية المعمقة بعض المحللين بأن الخيار الأفضل، أو لربما ليس الخيار الأكثر سوءاً هو تقسيم العراق على أسس عرقية أو أطر مذهبية.
إن كردستان العراق هي بالفعل وإلى حد كبير تحكم ذاتيا، وحتى أنها تخطط لإصدار سندات شبه سيادية للمساعدة في تمويل أعمال تطوير الصناعة النفطية، إلى جانب قتالها ضد تنظيم داعش. وكتبت مارينا وديفيد اوتاوي للفورن بولسي حول هذا الموضوع، واصفة كيف ان النموذج الكردي يشجع باقي المحافظات على السعي للحصول على المزيد من الحكم الذاتي عن بغداد.
ليس الكل موافقا، لكن معظم الحجج ضد التقسيم لا تقوم بالتركيز بصورة كافية على الحكم السيئ للعراق، ففي العراق قد يكون التقسيم غير الكامل أو الفيدرالية السيئة من الأمور المفضلة للنظام الحالي، رغم حقيقة أن الصراع حول مالية الدولة، لاسيما الوصول إلى الموارد الطبيعية من شأنه أن يشكل تحديات هائلة.
إن حل الأزمة المالية في العراق يتطلب إصلاحات أساسية على الكيفية التي يحكم بها العراق، وليس فقط هزيمة داعش والمصالحة الطائفية، ولكن الاحتمالات الضئيلة للإصلاح من داخل الحكومة المركزية قد يدفع البعض في محيط العراق إلى الدفع باتجاه المزيد من الاستقلال عن بغداد.
ووصف فريدريك هوف، وهو أحد الزملاء البارزين في مجلس الأطلسي، الحركة المتنامية باتجاه الحكم الذاتي من بين ضحايا الحرب الأهلية في سوريا، أنه على الأرجح أن الأقليات في العراق المجاور والتي اكتوت لسنوات بالفساد وسوء المعاملة من قبل قادتهم، لديها نيات مماثلة.