19 ديسمبر، 2024 7:15 ص

مقترح لإنقاذ العراق والدعوة

مقترح لإنقاذ العراق والدعوة

يقف العراق اليوم على مفترق طريقين: أحدهما يؤدي الى التخلص من الطبقة السياسية الفاسدة، بينما يؤدي الآخر الى مخاطر الانهيار الكامل للدولة.

اما الدعوة فهي تقف على مفترق طريقين: اما استعادة سمعتها التي فقدتها بسبب ممارسات رموزها وقيادييها في السلطة، واما الانهيار الكامل لبقايا كيانها وبقايا سمعتها.

اذا وقفت الدعوة موقف المتفرج (كما تفعل لحد الآن) فسينتهي الامر بها – في افضل الاحوال- الى سقوطها النهائي.

اما اذا اتخذت خطوة رائدة لانقاذ العراق (وهي قادرة، كما سنرى بعد قليل) فسوف تكون هذه الخطوة بالضرورة سبباً لانقاذ الدعوة أيضاً واستعادة سمعتها ومكانتها في قلوب الناس.

إن الدعوة قادرةٌ على تقديم مبادرة لانقاذ العراق من خلال قرارات حاسمة في مكافحة الفساد تبدأ الدعوة نفسها في تطبيقها على فاسديها (الفاسدين المرتبطين بها او المحسوبين عليها).

اذا اقدمت الدعوة على فضح ومحاسبة فاسديها فانها سوف تحقق الريادة في مكافحة الفساد عن طريق سبقها كل الكيانات السياسية الاخرى العاجزة عن اتخاذ خطوة مماثلة، الامر الذي يُسقط ورقة التوت عن تلك الكيانات التي لا يسعها الا أن تحذو حذو الدعوة فتكون تابعة للدعوة، او ترفض الاقتداء بالدعوة فتسقط نهائيا.

معالم المبادرة لانقاذ العراق والدعوة
• تمتلك الدعوة ارشيفا غنياً – وان لم يكن كاملاً- بملفات الفساد التي مارسها كل المسؤولين من سقوط النظام السابق حتى الان. ان وجود الدعوة وشخصياتها وحلفائها في العملية السياسية وفي البرلمان وفي الحكومة -من اعلى منصب الى ادنى وظيفة، ولمدة اثني عشر عاماً- وفّر لها هذا الارشيف. ونذكّر هنا بتصريحات الامين العام للدعوة (الاستاذ نوري المالكي) المتكررة بامتلاكه ملفات فساد يحتفظ بها للوقت المناسب.

• تعلن الدعوة – فوراً- انها ستقوم بكشف كل ملفات الفساد التي اطلع عليها المسؤولون المرتبطون بالدعوة سواء التي تتعلق بشخصيات الدعوة، او شخصيات غير الدعوة، من خزين الملفات الذي يحتفظ به المالكي و من خارجه.

• في نفس الوقت تشكل الدعوة محكمة حزبية علنية (تضمن علنيّتُها عدمَ التساهل في اجراءات المحاسبة ). تستدعي المحكمة الحزبية العلنية للتحقيق جميعَ البرلمانيين والمسؤولين الحكوميين المرتبطين بها (بدءاً من المالكي نفسه) لمحاسبتهم على ملفات الفساد المدّعاة بحقهم– في حال وجودها- او جرد اموالهم المنقولة وغير المنقولة، للتحقق من عدم اثرائهم غير المشروع خلال فترة توليهم مناصبهم.

• من يرفض المثول امام هذه المحكمة يصدر بحقه قرار فصل علني بسبب تمرّده على قرار حزبي ينقذ سمعة الدعوة.
اما من يحضر فيخضع للتحقيق العلني، فان ثبتت براءته سُمح له بالاحتفاظ بعضويته في الدعوة، وإن أدين تعلن الدعوة فصله وتنشر قرارها وحيثياته وتتعاون مع القضاء لملاحقته ومعاقبته.

• اما المسؤولون الاخرون (غير المحسوبين على الدعوة) فتقوم بكشف ملفاتهم – خصوصا تلك التي لازال الامين العام يحتفظ بها للوقت المناسب- وذلك باعتبار ان هذا هو الوقت المناسب لإبراء ذمته وذمة الدعوة ( وهو امينها العام) من تهمة التستر على الفساد وتفويت فرصة محاسبتهم على ما سرقوه من الشعب، ومساعدتهم على البقاء في مناصبهم ومواصلة فسادهم.

ايجابيات هذه الخطة

1- اهم ايجابيات هذه الخطة انتقال الدعوة من دائرة الاقوال الى دائرة الأفعال. فهذه الخطوة العملية تساوي الف بيان سياسي، و الف موعظة دينية، والف لائحة دفاع عن النفس، والف ادعاء بالنزاهة، والف افتخار بتاريخها الجهادي وشهدائها العظام.

لقد ترسَّخَ في الراي العام ان الدعوة ساهمت من خلال شخصياتها بالفساد بدون ادنى شك، فاذا لم تبادر الى محاسبة الفاسدين فيها فهذا يعني احد امرين:
أ- اما انها تنكر أصلاً وجود فاسدين فيها، وهذا يعني اصراراً على الخطأ وجهلا بالحقائق وتجاهلا للواقع، وهو يسقط عنها ورقة التوت إن بقيت هكذا ورقة
ب- واما انها تعلم لكنها عاجزة عن محاسبة شخصياتها الفاسدة، بسبب نفوذهم او تاريخهم، وهذا يُسقطها دينيا و اخلاقيا، اضافة الى سقوطها سياسيا، فالحزب الذي لا يستطيع محاسبة اعضائه على فسادهم كيف يتصدى لقيادة دولة؟

2- ان هذه الخطوة تطهر الدعوة والدولة معاً من الفاسدين، وذلك لأن اهم خطوة في مكافحة الفساد هي كشف الملفات، وهو امر لا تستطيع الدولة ان تقوم به لانها منخورة بالفساد في كل مفاصلها، اما الدعوة فتستطيع – بهمة الاطهار من ابنائها- ان تقوم بذلك. وبهذا تقدم للشعب خدمة لا تستطيع الدولة ان تقدمها مباشرةً وبسرعة، مما يحسب لها (اي للدعوة) انجازاً تاريخيا يمسح عنها عار وشنار الفساد الذي مارسه او سكت عنه رجالها فترة طويلة.

سلبيات الخطة

اهم سلبياتها هو حاجتها الى شجاعة الدعاة الشرفاء الذين صبروا وسكتوا حفاظاً على سمعة الدعوة وتصوروا ان السكوت أوالإنكار– وليس الاعتراف والعلاج- هو الذي يحفظ سمعة الدعوة.

وهناك سلبية اخرى تتمثل في التفكير النمطي الذي اعتاد عليه بعض الدعاة خلال عقود طويلة فعجزوا عن الخروج عليه في المواقف المصيرية كموقف اليوم، فهؤلاء يتصورون ان الحل يجب ان يصدر من القيادة أو من خلال الاطر التنظيمية القائمة فعلا! ولما كانت القيادة الفعلية هي التي صممت الاطر القائمة بحيث لا يتمكن الدعاة النزيهون من محاسبتها، فانهم – والحالة هذه- يفكرون بالاصلاح بشرط عدم كسر هذه الاطر التي حمت ولا تزال تحمي الفاسدين!!

آلية التنفيذ

1- يبادر الدعاة الشرفاء لعقد مؤتمر طارئ – خارج الاطر التنظيمية التقليدية التي تسيطر عليها القيادة الحالية- يسمى مؤتمر الانقاذ. يستمد المؤتمر مشروعيته من ضرورة المبادرة الى انقاذ الدعوة والدولة، ومن الشعور بانهيارهما ان لم يبادر احد لهذه المهمة فيأثم الجميع بالقعود وترك الامر للقيادة الحالية والاطر الفعلية.

2- يشكّل مؤتمر الانقاذ هذا محكمةً حزبية علنية تستدعي – للمحاكمة – الحرسَ القديمَ الذي خان الله ورسوله وخان تاريخ الدعوة ومسيرتها واهدافها وحوَّلها الى سلّم لمطامعهم الدنيوية فتظهّر الدعوة والدولة منهم.

بدون هذا المؤتمر الطارئ والمحكمة الحزبية العلنية لا يمكن ان يتم اي اصلاح، مما يعني ان الدعوة ستدفن نفسها بعد ان ترجمها الجماهير ويصبح الانتماء اليها سبّة على المنتمي.

التكييف القانوني:

هناك مسألة فنية قد يتصورها البعض مانعاً من التنفيذ، وهي: بأي مبرر قانوني تقوم الدعوة بمحاكمة الناس سواء كانوا اعضاءها ام غيرهم؟

والجواب على هذا السؤال يتكوّن من فرعين:

1- ان المحكمة الحزبية شأن داخلي ولا تشكل محاكمة الحزب لأعضائه اية مخالفة للقانون مادامت قراراتها تنحصر بالإدانة والفصل دون السجن.

2- اما فيما يتعلق بمحاسبة غير الدعاة على تهمة الفساد فهي هنا محكمة شعبية معنوية على غرار محاكم سياسية اخرى تشكلت في دول مختلفة لمحاكمة سياسيين فاسدين وتستمد مشروعيتها من الحق العام الذي اعتدى عليه المسؤولون الفاسدون ما دامت ملفات فسادهم معروفة مشهورة، ومادامت المحاكمة تجري في خضم الغضب الجماهيري المتصاعد ضد الفساد و الفاسدين، وما دامت لا تسجن ولا تعاقب احدا عقابا ماديا. وفي كل الاحوال يمكن حل هذه الاشكالات بمشورة قانونية تخصصية.

الخاتمة

هذه الخطة قد تنقذ اخر ما تبقى من الدعوة وربما تعيد لها رصيدها الذي فقدته اذا تم تنفيذها، اما اذا مضينا في الاخذ والرد وقطّعنا الوقت بالنقاشات التقليدية التي لم تصلح شيئا في الاوقات العادية فضلا عن اوقات الازمات فعلينا ان ننبش قبر الدعوة لدفنها- ان حصلنا على فرصة دفن- لأن غضبة الجماهير ستحرق كل من آوى فاسدا، ويومئذٍ لا ينفع الندم

أعلى النموذج

أحدث المقالات

أحدث المقالات