25 نوفمبر، 2024 11:31 ص
Search
Close this search box.

للوطنية معنى آخر في عراق مابعد العام 2003 !!

للوطنية معنى آخر في عراق مابعد العام 2003 !!

سَبيُ مئات النساء الإيزيديات العراقيات واغتصابهن،وتهجير اكثر من مائة وعشرين الف نسمة من المسيحيين العراقيين من مدنهم وبلداتهم وقراهم، وسقوط ثلاث مدن عراقية تحت سلطة دولة الخلافة،واعدام اكثر من 2400 مواطن عراقي في الموصل خلال الفترة القريبة الماضية..كلها قضايا عراقية لاتحتاج الى ادلة إضافية لكي نتأكد من صحة وقوعها،لكن قادة التظاهرات في بغداد ــ وكما يبدو ــ لديهم معنى آخر..!

وإلاّ،لماذا لمْ يحرِّضوا الناس على الخروج مِن أجل اي واحدة من هذه القضايا؟

ولمَ لمْ يرفعوا ولو لافتة واحدة تذكِّر العالم والحكومة العراقية بمسؤوليتهم ازاءها.!! ؟

أظن بأن الكهرباء باتت تشكل القضية المركزية في النضال الوطني العراقي، الليبرالي واليساري والاسلامي ـــ بعد أن كانت قضية فلسطين ــ وأن العامل الطائفي بات المحرك الجوهري لأي فعل عام،فهو الجامع والمفرِّق فيما بيننا،ولم يعد أمراً ذي بال لدى من يقود وينظم التظاهرات أو يشارك فيها مسألة التضامن والتعاضد مع آخرين لاينتمي لهم طائفيا مهما كانت مصائبهم،سواء كانوا ايزيدية أو كورد او مسيحيين او عرب سنة،مع أن حكومة احزاب الاغلبية الطائفية كانت السبب في كل ماجرى لهؤلاء من نكبات ومِحن .

تصحيح المسار

مِن هنا أجد بأن الوقت قد حان لسكان المدن العربية السنية المحتلة من قبل تنظيم دولة الخلافة في أن يعيدوا النظر جوهريا بعلاقتهم وارتباطهم بمن يحكم دولة العراق،وان يتوصلوا الى رابطة جديدة تعيد الاعتبار لهم ولكيانهم وحقوقهم ووجودهم،بعيداً عن صيغ الاذلال والاحتقار والتدمير التي طالما مورست ضدهم طيلة الاعوام العشرة الماضية سواء من قبل احزاب الاغلبية الطائفية أو الميليشيات أو الجيش والاجهزة الامنية.

بعد كل الذي جرى على سكان هذه المدن ينبغي أن لاينتظروا الموافقة تأتيهم من بغداد حول اية صيغة يمكن ان يتوصلوا اليها لتحديد علاقتهم معها،لأن قرار الرفض المسبق جاهز في ادارج حكومة بغداد طالما النية معقودة على اذلال هذه المدن بسكانها وتاريخها ورموزها.

إن صمت السلطة الحاكمة ــ زعامات واحزاب ــ على مايرتكب من جرائم جماعية بحق سكان هذه المدن من قبل تنظيم دولة الخلافة(اعدم التنظيم خلال مطلع شهر اب 2015 اكثر من 2070 مواطن موصلي)دليل فاضح لايقبل الشك على شيوع مشاعر الرضا والراحة لدى الكثير من اطرافها ازاء مايجري من انتهاكات بحق المدنيين داخل هذه المدن،وهذا يفسر سكوتها وعدم استعدادها الجدّي لتحرير هذه المدن .

وعلى العكس من ذلك نجد السلطة نفسها قد اتخذت مواقف فعالة ازاء قضايا اخرى لاعلاقة لها بدولة العراق،مثل قضية الصراع القائم في البحرين بين جمعية الوفاق الشيعية والحكومة،إّذ لم تتردد الاوساط السياسية الحكومية العراقية في أن تعلن موقفها صريحا بالوقوف الى جانب جمعية الوفاق،فقط لأنها جمعية ذات هوية شيعية،ونددت عبر اكثر من بيان وموقف بالحكومة البحرينة .

إن سكان الموصل ومعهم بقية المدن المحتلة من قبل تنظيم داعش،عليهم أن يراجعوا انفسهم بعمق وجدية،وعليهم ان يدركوا بأنهم ذاهبون الى المحرقة

بأرجلهم،وأن النسيان سيكتب اخر سطوره في وجودهم العريق بهذا البلد بعد أن يكونوا قد اختفوا تماما مع مدنهم بكل مسمياتها من خارطة العراق.خاصة وأن كل الدلائل على الارض تشير إلى أن الحكومة العراقية والميليشات المرتبطة بها غير عازمة على تهيئة السبل لعودة النازحين والمهجرين الى مدنهم وبيوتهم التي تم تحريرها،ومدينة تكريت خير شاهد على ذلك.

ايضا هناك الكثير من الاشارات التي تؤكد على عزم الجهات المتنفذة في الحكومة وخاصة المليشيات الى تغيير اسماء هذه المدن باسماء اخرى كمقدمة لإحداث التغيير الديموغرافي ،كما هو الحال مع مدينة الفلوجة التي تم الترويج لتبديل اسمهما الى مدينة المصطفى نسبة الى الجندي مصطفى هاني وهو من مدينة الصدر الشيعية والذي سبق أن اعدمه تنظيم الخلافة فيها في شهر ايار /مايو من هذا العام .

العلاقة مع الكورد

لاسبيل للعرب السنة وهم يواجهون سياسة التهجير والابادة الجماعية التي يتعرضون لها منذ عشرة اعوام من قبل اطراف حكومية وميلشيات مرتبطة ومدعومة من قبل حكومة طهران اضافة الى تنظيم الخلافة،إلأّ أنْ يصححوا العلاقة مع الكورد،لأنهم الأقرب اليهم جغرافيا واجتماعيا،فالصلات التي تربطهم مع بعضهم ــ بعيدا عن الحكومات ــ وثيقة وعميقة جدا،تعود الى عشرات السنين،كانوا فيها على تواصل وتفاعل اجتماعي وتجاري فيما بينهم،فالموصل على سبيل المثال يشكل فيها الكورد مايصل الى اكثر من 30 % من سكانها وهم ثاني مجموعة تسكنها بعد العرب اضافة الى المسيحيين والتركمان والشبك .

ايّ مطلع على حقيقة العلاقات القائمة في المجتمع الموصلي يدرك تماما أن مايربط العرب في الموصل مع الكورد اكثر مما يربطهم مع العرب في وسط وجنوب العراق،وهذا يعود الى التاريخ الطويل لهذه العلاقات،والعيش المشترك داخل مدينة الموصل،هذا اضافة إلى قرب الموصل وصلاح الدين

وديالى من دهوك واربيل جغرافيا أكثر بكثير من قربها الى بغداد وبقية مدن الوسط وجنوب العراق،وهذا ينعكس بشكل واضح على سعة حركة النقل والتجارة بين هذه المدن،كما أن هنالك عشائر وعوائل كوردية عريقة الوجود في الموصل،كالزيبارية والهركية والريكانية والميرانية،كان لها دور كبير في تاريخ الموصل الاجتماعي والحضاري والاقتصادي والوطني،بل إن الروابط التي تجمع سكان الموصل بكل تنوعهم مع اربيل ودهوك والسليمانيةهي من المتانة والمكانة التاريخية الى الحد الذي لايمكن لاي عامل سياسي أن يهدمها أو يمحوها،فالزواجات المشتركة مابين العوائل العربية والكوردية بين هذه المدن لاتحتاج الى مايؤكدها.

ايضا جاء الموقف الأخير للشعب الكودري ــ قبل موقف حكومة الاقليم ــ عندما استقبل النازحين والمهجرين العرب وغير العرب القادمين من الموصل والانبار وصلاح الدين وديالى والبصرة ليقدم دليلا قويا على عمق هذه الصلات،وعلى أنها لم تتأثر بما خلفته حماقات السياسة العراقية من جروح عميقة في جسد الشعب الكوردي طيلة صراعه مع الانظمة التي حكمت العراق سعيا منه لنيل حريته .

حان الوقت لكي يتقدم العقلاء والحكماء من العرب السنة وخاصة ابناء الموصل باتجاه تصحيح وتعميق المسار مع الاخوة الكورد بعد أن اتضحت الصورة وانجلى غبار الشعارات الوطنية الكاذبة الذي اعمت ابصارنا بدل ان تزيدها مساحة في الرؤية.فالمستقبل لايمكن ان يكون مُطمئِنا إنْ لم نتخذ خطوات سليمة تجمعنا عربا وكوردا،وأن يكون لدينا الاستعداد لأن نضع في الحسبان الحفاظ على ارواح البشر وعلى عمق الروابط بين الاثنين وتطوير كل ما من شأنه ان يشيع السلام والاطمئنان لدى الجميع قبل أي شيء آخر .

أحدث المقالات

أحدث المقالات