19 ديسمبر، 2024 10:18 ص

لم تعد من ملامح الدولة العراقية الحديثة التي تأسست في عام 1921 سوى أطلال لهيئات حكومية تخضع لسلطة الميليشيات، وقد أدرك المواطن هذه الحقيقة، فأخذ يستمد قوته من خلال صلته بإحدى الميليشيات، فهو يتوعد ويهدد خصومه بها، بل يتحاكم اليها كلما حصل خلاف مع آخرين، فيما الذين ظهورهم مكشوفة فليس لهم من خيار الا الرضوخ لمنطق الأقوياء، بعد أن أدركوا أن المؤسسة الحكومية لاتقدر على توفير الحماية لهم، لذا ليس مستغرباً أن تجد العجز بائناً لدى رجل الأمن أو الشرطة أو الجيش إزاء خروقات ترتكبها الميليشيات، بل الأدهى والأمرّ من ذلك أن يكون واجب المؤسسة العسكرية، هو توفير الغطاء لجرائم الميليشيات.
ومع تمدد الميليشيات وإتساع نفوذها، أصبح الظهور حالة طبيعية، سواء في إستعراض عسكري، وبالأسلحة الثقيلة طبعاً، أو في سيطرات، وحملات دهم وإعتقالات، إضافة الى حملات التهجير والقتل المعتادة على خلفية طائفية، والتي تؤطر ضمن الحرب على الإرهاب، ناهيك عن الواجهة الإعلامية التي باتت ظاهرة مرئية في الشارع لهذه الميليشيات وولاءاتها الخارجية المعلنة، التي لم تعد هناك حاجة الى إخفائها، برغم انها في حالات أخرى تعد خيانة عظمى.
وإذا كان إنتقاد الجيش والشرطة والمؤسسات الأمنية الأخرى ممكناً في حدود معينة، فإن الميليشيات محصنة من كل نقد، ولعل مجرد الإشارة قد تفتح على قائلها النار من كل مكان، وكأنك أسأت الى السيادة الوطنية والقيم والمثل العليا.
ولا تعجب، أو تستغرب، أن تسمع من زعيم لإحدى الميليشيات، وهو يستخدم هذه السينات ( سنضرب، سنعتقل، سنلاحق، سنعدم)، من دون الرجوع الى الدولة والقانون، وهو بذلك يقر واقع حال من أنه هو من يمسك الأرض، ويضع شروطه للعيش عليها.
ويبدو من خلال هذا الواقع، أن قادة الميليشيات أصبحوا أقوى نفوذاً من أية سلطة في الدولة، مادفع ببعض الكيانات السياسية الى تأسيس ميليشيات مرفقة بها، ولعل الإنتخابات المقبلة ستشهد منافسات بين الميليشيات وليس بين كيانات واحزاب وبرامج.   
وقد ادركت الحكومة خطر تغول الميليشيات، وحذرت منها، لكنها كما يبدو غير قادرة على أن تفعل شيئاً، سوى أن تسعى لإرضائها، وتقبل بها كسلطة خارج السلطة، ودولة خارج الدولة، فيما تتقاسم معها الحكم على الضعفاء.

أحدث المقالات

أحدث المقالات