الألم ، كائن إنساني ولكنه غريب الاطوار . في طبيعته إنساني النشأه والوجود ، لايكاد يُفارق الانسان ، يقترب منه ، يبتعد عنه ، ولكنه ملاصق له على الدوام . شئت أم أبيت فالألم إلى جوارك ، هو في بيتك ، هو في بيت
الجيران ، هو في الحي المجاور . ليس ثمة فرق . هاهو حاضر اللحظه عندما إرتكبت أنت للتو حماقه غير محسوبه في أنك قبضت بيديك العاريتين على مقبض مُلتهب لإناء الطبخ . الألم تجده مُستنفراً إلى جوارك فوراً . سوف يشعرك بانه لم يغادرك . ألم جسدي ، حِسّي ، مادي . إذن ، فسوف تستنتج ان هذا المخلوق ، الإنساني ، كما يقولون ، هو قدرَك ، شئت أم أبيت . ليس هذا وحسب ، بل وستعرف بالملاحظه العمليه ان هذا الضيف الثقيل له طاقه وقدره فعليه على التأثير المادي ، قل الحسّي على الاخرين ، إعني بني الانسان . لماذا بني البشر ؟
لأن لاألم ، بالمعنى الإنساني ، لدى الجَمادات . فالصخور ، مثلاً ، صحيح انها تتعرض بفعل الرياح والزوابع إلى آلام ليس لها أول ولا آخر ، ولكن آلامها لانحسها نحن البشر لأنها تقع خارج المنظومه ألآلاميه للإنسان ، وبالتالي ، فإن ثمة إختلاف منهجي في فهم الألم في هذه الحاله ، حيث سيستطيع هو ، اي الألم ، من الإفلات من محاصرته وتوجيه الاتهام إليه بأنه غير إنساني ، وربما إحالة ملفه ألى محكمة الجنايات الدوليه ! .
هو كحروف الإخفاء في اللغه العربيه ، اي تلك الحروف التي تخفي ذاتها عند السكون ، ولكنها ماتلبث ان تُبعث وتُضهر حيويتها عند نطق الاحرف الاخرى . هو ، بهذا المعنى كالناموس يعتاش على حيوات الاخرين . أناني النزعه
ولكنه لايعترف بذلك . لماذا ؟ هذه طبيعته ، هذه سجيته ، التي طُبع عليها . حسناً ، مالذي يستفيد منه الألم عندما يُؤلِمْ الاخرين . تسأله ، الجواب غير شافي وهلامي ولا يستحق حتى التوقف عنده .
الانسان ليس كذلك . الإنسان من لحم وعظم وأحاسيس . الانسان ، هو ذالك المُستنفَر ، الغُر، الُممتلئ حد اللامجهول بالتقوى والفجور في آن ، الطامع والواهب ، الغادر والمغدور ، الممتلئ إبتسامه وطيبه والحاقد الحقود بعد
هنيهه . وماذا بعد ، وما الذي لديك من معلومه قد لانعرفها عن الألم ؟ أقول لك ، ان هذا ” الألم ” قبل ذلك وبعده ذا حس طبقي . بمعنى انه يتوزع ، بمهاره وخبث على الطبقات الاجتماعيه المختلفه . هو ، اي الألم ، لم يكن بالضروره
قد قرأ ماركس و” رأس المال ” ولكنه يعرف بغريزته ، التي حباه بها الرب ، من انه يمكن ان يلحق بشريحه إجتماعيه ضرراً أكبر دون أخرى . هذا ألحِس الطبقي ، من خلال دراستي له عن كثب ، توصلت الى انه غير عادل ، وغير نزيه
بل وتكتنفه ألغاز ، ذهب بي الظن ، إلى انها تُحاك في دهاليز المخابرات ، التي يحلو لنا تسميتها بالامبرياليه ! أسوق لك بضع أمثله ، راجياً صبرك :
+ سنغافوره ، أُمَّه ماكان لها أن تولد ، حسب تعبير مؤسسها الراحل تواً لي كوان ، مستنقعات متناثره ، لاموارد طبيعيه البته ، لامياه ، تنافر سكاني ، عرقي وأثني وديني ، وصلت الى ماوصلت إليه الآن ، والعراق ، بلد الحضاره السومريه والبابليه ، ذي الخيرات حد التخمه ، وذي دجله والفرات ، هو الان دوله شبه فاشله ، فاسده،
ووسخه ! ألم . + البصره ، حاضنة العراق ومُمولته من خيرات النفط في الرميله وحقل ” مجنون ” ، وهو مجنون فعلاً ، ومع ذلك يلحق بها هذا الالم الذي يسمى غياب الكهرباء وشحة المياه العذبه ! ألم .
+ شط العرب ، هو شط عراقي ، منحه الرب ، ولا منة من أحد في ذلك ، ولكن العفالقه عندما ” تولوا” الخلافه أعطو نصفه للجيران ! ألم .
+ أم ثكلى بإبنها ألبكر في “سبايكر” ، رأيتها ، وياليتني لم أرها ، تحت نصب ألحريه لعبقري العراق جواد سليم تندب إبنها ، لاتريد سوى ان تعرف هل سيأتي بعد قليل لأكل وجبة الباميا والدولمه التي حَضّرتها تواً ! ألم .
+ في السياق ذاته ، أب تحت ذات النصب الخالد ، يبحث عن إبنه في ” سبايكر” . صوّرتهُ وفي عينيه قذى ولوثه عقليه . يصرخ بصوت أقرب إلى حفيف الشجر ! ألم .
+ شاب ذي تسعة عشر عاماً من قرية مهيجران في أبو الخصيب ( إسمه مُرتضى ) ، معاق ومشلول اليد بفعل قذيفه أصابته خلال جهاده في الحشد الشعبي ضد الدواعش، لم يجد لاالرعايه الصحيه ولاإمكانية علاجه إلاّ بعد تدخل
ووساطه ، سَنحت بها الفرص ، من كبير القوم ! ألم . + مُعمّم ، ذا ذقن أشبه بالحَليق ، وسامه شرقيه وتَبَتُّلْ روحاني في عينيه في آن ، لاتفارق السبحه السوداء ، ذات
المائه وواحد حبّه يديه ، إشترى فيلا بملايين الدولارات بجوار فيلا عادل إمام في مصر . ألسِّر أنه عضو في
مجلس النواب العراقي ! ألم . طيب ، وأنا … أنا الذي شاهدت وعاينت كل ذلك لم أسلم أيضاً من هذا الألم . مايُخفف بعض الشئ من آلامي ، إنني إستطعت بحذاقه أن أجد بعض القواسم المشتركه مع الألم ، للتخفيف ولو بجزء يَسير من آثاره ، ولكن دون ان يعني ذلك ، من أنني أضحيت ذي مناعه كامله .