التظاهر والاعتصام وغيرهما من الحريات المدنية التي نص عليها الدستور حق للمواطنين لهم ممارستها متى ما شاءوا ووقت ما رغبوا واينما ارادوا للتعبير عن مطالبهم واهدافهم وآرائهم ولا يحق لاحد ان يمنعهم عن ذلك مهما كان منصبه ومسؤوليته مادامت الممارسة سلمية ولا تخل بالقانون ولا تثير البغضاء والعداوة .
ومن هناك عندما بدأت التظاهرات الاخيرة في بلادنا حظيت بإسناد قطاعات واسعة من شعبنا ، ووجه رئيس الوزراء باحترام المتظاهرين وحمايتهم ، ولكن بعض المسؤولين ما يزالون على تربيتهم السابقة ووعيهم الفاسد الذي ينظر الى كل تعبير عن الرأي ومطالبة بحقوق شر مستطير يستوجب القمع والضرب وانتهاك الحقوق في تخويل للنفس غير قانوني ولا انساني ، بل يحاسب عليه القانون ويجرم مرتكبه .
في اليومين الماضيين تعرض المتظاهرون في اماكن مختلفة الى التضييق على حرياتهم في عودة ساخرة للأساليب الدكتاتورية وخلافاً لتوجيهات الحكومة ، بل استهدافاً لرئيس الوزراء قبل المتظاهرين واستهتاراً بالأوامر الصادرة اليهم باحترام سلمية التعبير الذي يمارسه المواطنون المتظاهرون .. فقد قامت قوات امنية بفض الاعتصامات في البصرة وبابل ، وتدمير ممتلكات المتظاهرين واتهمت القوات بسرقتهم والاعتداء عليهم بالضرب واصابة البعض منهم مما اضطرهم الى دخول المستشفيات .
في الواقع لو كشفت الحكومة قاتل المتظاهر منتظر الحلفي لما تجرأت هذه القوات على ارتكاب فعلها الشنيع مرة ثانية ولا احترمت قرار الحكومة الاتحادية الاعتداء
على المتظاهرين ذكرنا مرة اخرى بأساليب النظام البائد في التعامل مع الجماهير المطالبة بحقوقها ، فبعد ان فشلت محاولات الاندساس في داخل التظاهرات وضرب المتظاهرين بالآلات الجارحة والتهديدات ، لجأت بعض الحكومات المحلية الى الاجهزة الامنية بشكل سافر لتفريق المتظاهرين .
الحفاظ على سلمية التظاهر والتعبير الحضاري عن المطالب مسؤولية تقع على عاتق الجميع ، اما اللجوء الى العنف فهو سلاح العاجز عن الاستجابة الى مطامح الناس في انهاء الفساد وتقديم الخدمات .
كما ان الاعتداء على المتظاهرين تزامن مع الاعلان عن قرب اصدار حزمة جديدة من الاصلاحات اكثر عمقاً ، فهي محاولة لإفشالها وابقائها شكلية وعدم ولوجها الى عمق المشكلات واجتثاث الفاسدين .
المحتجون يدافعون عن حقهم في المال العام وحمايته وتنمية البلاد وتطويرها ، ومثل هؤلاء ينبغي لكل شريف ان ييسر لهم صمودهم واستمرار تظاهراتهم لحين استكمال عملية الاصلاح والغاء المحاصصة البغيضة .
ان امام الجهات الرسمية طريقين ، الاول هو الاستجابة الى ما ينادي به المتظاهرون من مطالب مشروعة وتخليص العملية السياسية من حالة التراجع وتشريع حزمة القوانين الضرورية لاستكمال بناء الدولة المدنية او اللجوء الى فض التظاهرات بالقوة ، وحذار من هذا الحل الذي يولد العنف في المجتمع ، ربما ينهي التظاهرات ولكنها ستعود بعد حين بشكل اقوى واكثر جذرية في مطالبها ، ولنا في تجربة المالكي مع التظاهرات السابقة خير دليل .
ان المعرقلين للإصلاحات وحماة الفاسدين لن يكفوا عن وضع العصي في دولاب العملية السياسة ما لم تتخذ اجراءات حاسمة وفي مقدمتها تقديمهم الى القضاء ،
والاسراع في التغيير ومس العقد الرئيسة بالإصلاح وانهاء نظام المحاصصة وهذا ما يشل الذين يقامون الاصلاح .
التظاهرات سلمية لا تحولوها بالإجراءات القمعية الى غير ذلك وتدفعونها نحو تصعيد المطالب وحرفها عن مسارها وبالتالي زيادة التوترات الاجتماعية ، مهما فعل الساعون في هذا الاتجاه لن يتمكنوا من اخماد الحراك الاجتماعي الذي بات نوعياً واكتسب خبرة ثرية ، لا سيما انه خاض تجربة التظاهر في شباط عام 2013 التي ولدت هذه الحركة الجبارة بعد اخمادها .
لقد تبدلت الظروف الموضوعية والذاتية وخسرت القوى المتنفذة والفاسدة الكثير من رصيدها ، ولم تعد سياساتها مقبولة باي شكل من الاشكال ولابد من محاسبة الفاسدين فيها ، فشعبنا جراء الاوضاع المضطربة والقلقة اكثر وعياً بمصالحه وقدرة على مجابهة الظالمين مهما ارتدوا من جلباب قد يبدو براقاً .