17 نوفمبر، 2024 8:47 م
Search
Close this search box.

أهل السنة والبحث عن المرجعية

أهل السنة والبحث عن المرجعية

يتميز الشيعهُ في العراق بوجود مرجعية محددة؛ ولو كانت عدة مرجعيات إلا أنها متفقه في الأصول ويتبعها عامة الناس ولو كانت حياتهم ثمن لفتوى هذه المرجعية، كما حدث في فتوى الجهاد الكفائي “الحشد الشعبي” .

والذي يميّز أهل السنة في العراق عدم وجود مرجعية واضحة المعالم راسخة في الساحة السنية ولها كلمة الفصل، بل هي جماعات وكيانات هنا وهناك، وقبل عدة أعوام يُروى عن الشيخ أياد العزي – رحمه الله – أنه قال : أهل السنة كحقل البصل كله رؤوس ” فكل واحد منهم يريد أن يكون مرجعية وقائداً ومتبوعاً, وهذه الفوضى في تحديد مرجعية أهل السنية كلّفتهم الكثير، وقد تكلم الشيخ احمد الكبسي وهو أحد العلماء المعروفين عن أهمية هذه المرجعية، وكيف ستكون لأهل السنة شوكة وقوة وكلمة سواء تجاه التحديات الداخلية والخارجية، واليوم المتأمل لحال مراجع أهل السنة سيتبين له أن هذه الكيانات متقاطعة فيما بينها تماماً إلا من رحم الله، فلا تنسيق بينها ولا تواصل ولا لقاءات ولا مشاورة ولا تناصح، وكلٌ يقول الحق معي والباطل مع غيري، وكلٌ يدعي أنه المرجعية العليا لأهل السنة، فعندما أصدر مجلس النواب قراراً يفيد الاعتراف بالمجمع الفقهي العراقي الممثل الوحيد لأهل السنة في العراق كان هناك بيان لجماعة علماء العراق تنتقد هذا الإعتراف وتدعو الى الاعتراف بها كذلك، وتُبين أن هذا الإعتراف محاولة للقضاء على خط الإعتدال في العراق، وتعني بخط الأعتدال نفسها، وكذلك القطيعه بالنسبة لدار الإفتاء الكائنة في جامع ام الطبول – الذي صرّح الشيخ محمود الصميدعي أنه مغتصب وغير مسَيطر عليه – لكن ربما الآن في عهد الشيخ عبد اللطيف الهميم قد اجاز هذا الاستيلاء وبالتالي لا يكون مغتصباً- فالقطيعه مستمرة بين المجمع الفقهي و كيان الافتاء المتمثل بالشيخ مهدي الصميدعي وهو يدّعي سيطرته المطلقه على الوقف وأهل السنة، ففي أحد اللقاءات تكلم لوفد من محافظة البصرة عن تعيينه للشيخ عبد اللطيف الهميم وتنحيته للدكتورمحمود الصميدعي وكأنك امام رئيس الوزراء الذي له الصلاحيات المطلقه , بل يتكلم بنبرة متعالية باللهجة العراقية ” جِبْنَا عبد اللطيف الهميم للوقف ” ولم يصفه بالدكتور أو الشيخ ..

وعلى ذلك فلم نشهد لقاء بين المجمع الفقهي ودار الافتاء أبداً، وهذا يعود لعدة أسباب ربما لعدم اعتراف المجمع الفقهي العراقي بدار الإفتاء، أو وصمه بانه تحت عباءة السلطة الحالية دون الوقوف مع حقوق أهل السنة بل كان بالضد منها منذ حكومة المالكي، وكذلك ربما يرى المجمع الفقهي عدم أهلية الشيوخ في دار الإفتاء وهم كغيرهم من الشيوخ فليسوا من العلماء

والمفكرين المعروفين، فلم يُعرف عنهم طول باع في العلم، ورسوخ في التأصل، ولم نقرأ لهم مؤلفات تنم عن عمالقة في الفكر والعلم الشرعي وفهم الواقع, ولم أقف على كتاب لشيخ من مشايخ دار الإفتاء إلا بعض المنشورات التي يستطيع أي احد من الناس أن يعملها وهو منشور ” الستون الصميدعية ” للشيخ الصميدعي وهو كتيب صغير جمعَ فيه ستون حديثاً من كتب الحديث وهو عمل لا يكاد يحسب، أضف إلى ذلك أن الشيخ مهدي الصميدعي يصرخ ليل نهار أنهم سلفيين وأنهم من التيار السلفي كانوا مجاهدين أيام الأحتلال الأمريكي للعراق, وهذ لا يعني ان كلَ من كان مجاهداً سيكون مرجعية لأهل السنة في العراق، فإذا كانوا من التيار السلفي كيف سيتصدرون للمشهد الإفتائي والعلمي والمرجعي، وأهل السنة في العراق من تيارات مختلفه، فيهم الصوفي والسلفي والإخواني ومختلف التوجهات الفكرية والعلمية , فكيف ستتصدر للفتيا و دارك الإفتائي ليس فيه إلا من جماعتك وتيارك, وهذا يرجح كفة المجمع الفقهي العراقي لقيادة أهل السنة ففيهم مختلف المشارب والتيارات المختلفه السلفيه والصوفيه والاخوانية وغيرها, كما قال ذلك الشيخ أحمد حسن الطه، في لقاء مجلة الرائد العراقية بتاريخ 11/7/2013 . وكذلك يُعرف عنهم علماً غزيراً ودعوة وعملاً وتأليفاً وتمرساً في الإجتهاد وتدريس أكاديمي في الجامعات العراقية والمعاهد الدينية وهم المصدّرون للأئمة والخطباء في العراق من خلال بوابة الوقف السني والمجلس العلمي وكلية الأمام الأعظم، وينحدرون من مجامع علمية سبقت المجمع الفقهي كمجلس علماء العراق برئاسة الدكتور محمود عبد العزيز, وهيئة علماء المسلمين، وهذا أكسبهم قدرة على تحليل الواقع لأهل السنة ومعايشة الأحداث والقرب منها، والقدرة على الفتيا والاجتهاد، يُضاف الى ذلك قربهم من رؤساء ديوان الوقف السني السابقين ومن مشايخ الوقف والأئمة والخطباء، وكذلك المكان الذي اختاره المجمع الفقهي له رمزيته الدينية في أذهان المسلمين في العالم الإسلامي وهو جامع الإمام ابو حنيفة النعمان المذهب الأكثر اتباعاً في العالم الاسلامي والواقع في مدينة الأعظمية وهي أكبر مدينية سنية في بغداد يقطنها حوالي 2.500000نسمة، ، وهذه عوامل عدة تحسب لقيادة المجمع الفقهي العراقي ودورة في قيادة أهل السنة, كذلك كانت له مواقف مشهودة في الساحة العراقية فهو يدعو الى الوحدة الوطنية ولم نسمع منهم خطاباً تحريضياً، ووقوف بوجه الظلم والتجاوزات ومنع العابثين من المساس بأمن البلد في أكثر من موقف تجلت هذه الروح الوطنية العلمائية، ولا ننسى في هذا المقام أن الموقف الرسمي للدولة هو الاعتراف بالمجمع الفقهي المرجعية الوحيدة لأهل السنة أكسبه موقفاً قانونيا في كثير من الامور منها تعيين رئيس الوقف السني وإن كان السيد العبادي قد تجاوز هذا الحق المشروع؛ إلا أنه قانون ثابت مهما حاول الآخرون التأثير فيه، كذلك يحسب للمجمع الفقهي ترفعه عن المساس بالأشخاص وتجاوزه لما يولد الأحقاد والضغائن وسأذكر مثالاً واحداً: لما تم تعيين الدكتور عبد اللطيف الهميم في رئاسة الوقف أصدر المجمع بياناً يستنكر الاعلان عن رئيس للوقف دون موافقته؛ ولم يتطرق للشخص الذي تم تعيينه، بل ترفع عن ذكر الاسماء ولم يحمل العداوة للشخص بل قارع الفكرة بالفكرة والحجة بالحجة، وعقدوا اللقاءات مع الشيخ الهميم وتعاونوا معه وهذا منتهى الانصاف والعدل والمسؤليه ولمّا طلب الشيخ الهميم مقابلة المشايخ في المجمع الفقهي وافق المشايخ على المقابلة وأصدرو بياناً صحفياً بشأنها.

وهذه كلها عوامل إيجابيه ستتمخض في الزمن القادم عن قوة حقيقة ومرجعية واضحة لأهل السنة تحتوي كافة التيارات السنية، لذلك نُرجح أن الأيام كفيلة بإفرازهذه المرجعية الأصيلة التي انبثقت من رحم الواقع السني وانطلقت من حاجة أهل السنة لمرجعية تقود السفينة الى بر الأمان معبرة عنها وموجهةً في الاحداث والملمات .

قال الله تعالى “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ”” سورة فاطر (28)

أحدث المقالات