17 نوفمبر، 2024 8:37 م
Search
Close this search box.

ما قاله (قوباد) الطالباني : إقرار لواقع .. وتبرير لدافع !!

ما قاله (قوباد) الطالباني : إقرار لواقع .. وتبرير لدافع !!

في لقائه مع السفير الألماني الذي زار إقليم كوردستان مؤخرا”، أعلن نائب رئيس حكومة الإقليم (قوباد الطالباني) ؛ انه لم يعد هناك بلد اسمه العراق ، مثلما لم يعد هناك انتماء لدولة عراقية . وإنما أضحت هناك مجاميع وكيانات (شيعية) و(سنية) و(كوردية) ، الأمر الذي صعد من وتيرة حماسته لمطالبة الكورد بممارسة حقهم في تقرير المصير ، بما في ذلك إعلان الانفصال وتشكيل دولة مستقلة في القسم الشمالي من العراق .

والواقع إن تصريح (قوباد) لا يحمل جديدا”إلى ما قد سبق وقيل من تصريحات وتلميحات بهذا الشأن ، طيلة العقد الماضي من عمر دولة المليشيات وحكومة المحاصصات العراقية ، لا بل يبدو لمن يتابع مراحل تصدع الجغرافيا وتفكك الديموغرافيا العراقيتان ، انه بمثابة نوع من أنواع الضغط السياسي والإحراج الدبلوماسي للحكومة (الاتحادية) – أضع هنا كلمة الاتحادية بين قوسين لكونها اسم على غير مسمى ، إذ إن صفة (الانقسامية) تكون أقرب إلى حقيقتها – التي لم تفتأ تتخبط وسط ضجيج الانقسامات السياسية ودوي الصراعات الطائفية ، منذ الأيام الأولى لجريمة الاحتلال الأمريكي ولحد الآن ، دون أن تهتدي إلى السبل القمينة بجعلها تمتلك زمام أمرها وتمارس سلطتها وتفرض سلطانها ! .

ولكي نكون منصفين يتوجب علينا أن نأخذ بنظر الاعتبار أن السيد (قوباد) لم يتفوه بهذا التصريح من باب الخشية على سلامة وحدة العراق أرضا”وشعبا”من التذرر والتبعثر ، أو من منطلق الحرص على عدم انزلاق الأوضاع الأمنية والاجتماعية – أكثر مما هي عليه الآن – صوب هاوية المجهول ، بحيث نمنح للقوى الإقليمية والدولية المتربصة شرا”بالعراق ، المسوغات السياسية والأمنية والقانونية والإنسانية لتفعيل مشروع التقسيم المطروح على طاولة الحوارات الشكلية والمساومات الفعلية . بل انه جاء ليؤكد حالة قائمة طالما توارى السياسيين العرب من (السنة والشيعة) خلف أطرافها الفاعلة من الحلفاء الإقليميين والدوليين ، (استيحاءا”) من افتضاح أمرهم وتعرية حقيقتهم وإماطة اللثام عن تآمرهم ، لاسيما تلفيقاتهم وأكاذيبهم بخصوص إنكار وجودها الفاقع ورفض واقعها الملح . وهو الأمر الذي يعطي السيد (قوباد) دالة اعتبارية عليهم ليس فقط لجهة تحليه بشجاعة الإعلان عنها والتصريح بها والتأكيد عليها فحسب ، بل وكذلك لجهة الاستفادة من الظروف المؤآتية لإحراج خصومهم وإسكات معارضيهم ، دون الخشية من لومة لائم أو اعتراض معترض من أولئك المتباكين (رياءا”) على وحدة العراق ، في الوقت الذي ينتظرون فيه – أكثر من الكورد أنفسهم – ذلك اليوم الذي سينحر فيه العراق على مذبح مصالحهم الفئوية ، حتى يتسنى لهم الشروع بتقسيم أسلابه وتوزيع مغانمه مثلما تفعل العصابات وقطاع الطرق !.

والمشكلة الأخرى التي لا تقل عن سابقتها ضررا”؛ هي إن الغالبية العظمى من العراقيين المغرر بهم والمتلاعب بعقولهم ، لم يفتأوا يمنحون نكرات السياسة هؤلاء الفرصة تلو الفرصة والمهرب تلو المهرب ، للتملص من المسؤولية الوطنية والأخلاقية والإنسانية التي يفترض بهم تحملها ، حيال حقيقية ما يجري ويحاك خلف الكواليس من اتفاقيات مريبة ومساومات مخجلة .

إذ ما أن يخرج تصريح من أفواه السياسيين الكورد إزاء مسألة حقهم في تقرير المصير ، التي صيغ الدستور المفبرك ليكون شاهدا”عليها ومعترفا”بها ، حتى ينهال – عبر الفيس بوك وشبكات التواصل الاجتماعي – سيل من التعليقات السلبية التي يصل بعضها إلى حدّ الإسفاف والخروج عن اللياقة ، بحيث تختلط الفكرة الجيدة بالرأي المظل وينعدم الفاصل بين الاحتجاج العقلاني والمهاترة المتعصبة . وهكذا بدلا”من أن يصب جام غضب الجمهور المجروح في كبريائه الوطني والمنتهك في كرامته الإنسانية ، باتجاه الأطراف المشاركة في تمرير هذا المشروع الاستعماري من العرب (الاقحاح) والعراقيين (الخلّص) ، يوضع الأكراد – جميعا” وبلا استثناء – في قفص الاتهام والإدانة ، كما لو أنهم وحدهم المسؤولين عن هذا الأمر الجلل .

أخيرا”أيها (العربان) لا تلوموا الأكراد حين يلوحون بفزاعة (الانفصال) العراق والمطالبة بتشكيل دولة كوردية مستقلة ، كلما لاحت بالأفق أزمة سياسية بين (بغداد) و(أربيل) على خلفية تقاطع المصالح وتعارض التوجهات وتناقض الارتباطات ، التي غالبا”ما كان العراق أرضا” وشعبا”وتاريخا”وحضارة وهوية الخاسر الأكبر فيها !! .

[email protected]

أحدث المقالات