برغم أن أغلب السياسيين من أصحاب السلطة والجاه أبدوا تأييدهم للتظاهرات التي يشهدها العراق، لكنهم في قرارة انفسهم يرفضونها ويعدونها خروجاً على منهجية الطاعة والإنصياع التي حرصوا على ترسيخها في نفوس الشعب،
وفيما يسعى بعضهم الى ركوب موجة التظاهرات لتبيض ساحته، أو توجيهها لأغراضه السياسية، يبعث آخرون برسائل تخويف مبطنة، مرة بالتحذير من المندسين، ومرة من تسييس التظاهرات، ولعل هؤلاء واولئك يشعرون بكل الرضى ببقاء التظاهرات في حدود أزمة الكهرباء وسوء الخدمات، ولا تتعدى دور ” السادة” التي ينبغي أن تبقى “مأمونة”.
لكن الغريب على مستوى الشارع، إذا كان كل هؤلاء المسؤولين، مع إختلاف غاياتهم ونياتهم، يؤيدون التظاهرات ويدعمون الإصلاحات، فمن سرق البلاد إذاً، ومن عاث فيها الفساد؟.
لاشك أن التظاهرات خرجت من أجل الخدمات، لكن سوء الخدمات ليس حدثاً عارضاً ، وإنما هو إنعكاس لواقع سياسي وإقتصادي فاسد، يتحمله كل من تصدر المسؤولية.
وعليه لابد أن نسأل : أين ذهبت أموال الميزانيات الإنفجارية ؟ .. ولماذا لم تشهد البلاد حملة إعمار؟ .. وماذا جنى المواطن من النفط؟ .. ولماذا الدينار العراقي لم يتعاف برغم زوال أسباب تراجعه؟ .. وما سر إرتفاع مستويات الفقر والتشرد مع زيادة الدخل القومي؟ .. ومن المسؤول عن فقدان التعايش السلمي بين العراقيين، ولماذا طغت الهويات الثانوية على الهوية الوطنية ومزقت النسيج المجتمعي ؟.
هذا غيظ من فيض، والا الأسئلة تتجاوز ذلك بكثير، وتحتاج الى مساءلة لكل ماجرى ويجري في البلاد من تدهور بات يهدد كيانها بالتفكك والتشظي.
ومع إختلاف الرؤى لهدف التظاهرات، يبقى القاسم المشترك هو تحقيق الإصلاح، ولانية مسبقة أو لاحقة بحسب إعتقادي، للمتظاهرين لدخول المنافسة مع المسؤولين على كراسيهم، وإنما حركة الإصلاح تتطلب إزاحة الفاسدين والمتاجرين بالدم العراقي، والمراهنيين على الهوية الطائفية في البقاء في السلطة، وإنزال القصاص بهم، من أجل أن يعود العراق ، كما كان، وطناً للجميع.