17 نوفمبر، 2024 9:51 م
Search
Close this search box.

الرئيس ترك ربطة عنقه وصرخ أنهم عيالي !

الرئيس ترك ربطة عنقه وصرخ أنهم عيالي !

ما تصورت يوما اني أموت واقفا وانا اتنفس ومنتبه لمن يتحدث معي وارى واسمع الاصوات التي تتناقش عن موضوع واحد هي تلك الحفرة ,,خلت للحظة عابرة أن الموت أحيانا يمهلك لتكتشف انك تستطيع أن تتعرف على الموت ببساطة ولا يمكن لك أن تتجاوزه لتفعل ما أنت تريده بل ما يريده هذا العالم بك حتى وأنت تتحسس اعضائك تكتشف أنك بين موت رحيم وبين حياة قاسية ليبدأ الصراع للخروج من أحد العالمين هذا ما شعرت به وأنا أتجول في تلك الامكنة وارى الجدران بدأت تكره الخرق السوداء وهي تسجل اسماء الراحلين على جدران أهالي خان بني سعد ..
لم ارى يوما مدينة بكل مكوناتها تسير بلا قرار كما شاهدت ذالك في مدينة بني سعد المرحومة كل من يلاقيك في الشارع لا يستطيع ان يكمل سلامه ولا كلامه لأنه ربما يعيش لحظات العودة من الموت وهو لايزال رغم مرور ثلاث ايام على ذالك الانفجار الذي خلف تلك الحفرة الفضائية التي لا يمكن أن تخلفها اي قوة على الارض غير قوة سقوط نيزك او جرم سماوي غادر المدارات ليجد له مستقر هناك في تلك البقعة ..
من يقف على ضفاف تلك الحفرة التي تنخفض عن رصيف الشارع المدمى بعمق خمسة امتار وبعرض العشرة أمتار لابد له أن يعرف مدى القوة التي اوجدت تلك الحفرة والتي على أثرها راح ضحيتها أكثر من 200 شاب وطفل وعجوز وبائع ومار سارمن هنا ليجلب لعائلته بعد شهر من قيض رمضان ليحتفلوا بالأيام القادمة بما تجود له ايام الفرح ..
قال لي أحدهم وأنا لا استطيع الكلام من هول ما رايت انها ثلاث أطنان من المتفجرات في لحظة واحدة قلبت السوق بمن سار تحت سقوفه الخشبية والصفيحية وأختفت في لحظة ايضا كل تلك المخلوقات التي فضلها الله على المخلوقات الاخرى اختفى كل شيء وأختلطت الاعضاء البشرية بالخضار بالحواشي الداخلية لمن كان هنا واصبح المكان عبارة عن لوحة سريالية لا تستطيع أن تفهم منها اي شيء حتى سلفادور دالي الذي يريد رسم لوحة مشابهة لتلك ربما يقف عاجزا ليعيد النظر على مارسمه ليشرح لنفسه ثانية ما جرى في ذالك المكان .
جلست عند احد بيوت النعي الشيعية وهم ينتظرون المعزين لكني لم اجد المعزين الذين يأتون لتعزية اهالي المتوفين على الرغم أن الموتى اربع من عائلة واحدة لكني وجدت المكان فارغا الا من بعض اقرباء المتوفين سالت قريبي لماذا لم ياتي أحد واين المعزين ؟
ابتسم بوجهي باكيا ولأول مرة ارى أحدهم يبتسم وهو باكي على حقيقة ان التناقضات البشرية بين الحزن والفرح وبين الضحك والبكاء لا تتم في وقت واحد لكني رايتها بوجه قريبي المفجوع وهو يخبرني ( من تنتظر أن ياتي كل أهل المدينة لديهم نفس المصاب ) عندها خجلت من سؤالي ذالك وهو ايضا أكتشف مدى الاحراج لكنه التفت لي ثانية ليطمئني ويعطيني الحق ليزيح من كل ذالك الحرج ..
لعل اول الاسئلة الوقحة التي تتبادر الى ذهنك هناك من من أهل الحكم زار ذالك المكان وكم من الايام قررت الحكومة تنكيس خرقة العلم العراقي وتعطي حداد وكم من الايام ستضع قناة العراقية خط اسود في أحد زوايا الصورة المتحركة لها لتعلن أنها حزينة ,,من قدم ومن عزى ومن بكى ومن طأطأ برأسه ومن سكب الدمع هنا وهو يرى ذالك المكان ومن وضع عقاله على رقبته وقال أنهم عيالي انهم عيالي ؟؟؟ ..
عشرات الاسئلة تخرج عنوة لتزاحم افكارك حول ردة الفعل الحكومية وأكيد سوف ينط من بين تلك الاسئلة من من هؤلاء السياسيين الشيعة قدم الى هذا المكان ؟
لماذا الشيعة رجاءا ؟
لأن القتلى هم من الشيعة حصرا والمكان كله عبارة عن اعلان لحفل شيعي يودع هؤلاء الى مقبرة السلام اذن أكيد السؤال سيكون لماذا الشيعة ؟
وهنا ايضا ستبدأ ذاكرتك وهي تسترجع كم من هؤلاء ذهب الى السعودية يوم مات الملك السعودي ..وكم من هؤلاء ذهب الى الاعظمية يوم حدث الحريق في ايام الزيارة ,,وكم من هؤلاء عربد وزبد يوم حادثة مسجد مصعب بن عمير وكم من هؤلاء المسئولين قرر ان يبكي عند ذالك المذبح وكم من هؤلاء عزى الملك الاردني لحرق ابن الكساسبة وكم من هؤلاء ارسل اسفه ونعيه وحزنه لأمير الكويت على خلفية أنفجار المسجد فيها وكم وكم .. ولماذا هنا اليوم لا وجود لمثل هؤلاء ؟؟
وهل قطع السيد الرئيس أجازته من منتجعه في السليمانيه وهرع وقد نسى ربطة عنقه ولم يشدها على رقبته وهل وضع رئيس البرلمان نظارته السوداء خشية أكتشاف أحمرار عينيه من طول البكاء ومن من هؤلاء قرر ان يزور حفرة خان بني سعد ويقف على حافتها وهو يرتعش من الله خوفا يوم يقف ويحين وقت الحساب ؟؟؟
اكبر حكومة في الشرق الاوسط من رئيس للجمهورية والوزراء والقضاء والبرلمان والمستوزرين لكن كم من هؤلاء اراد ان يعطي بعض من أنسانيته وليس لوظيفته حق بالتقرب الى الله تعالى ويكتسب بعض من الثواب ويتوقف دقيقة حداد اعلى تلك الحفرة العلامة الفارقة في تاريخ مدينة عراقية اسمها خان بني سعد.

[email protected]

أحدث المقالات