لم تكن الاحداث في المنطقة العربية لتتسارع اكثر لولا علم السعودية في الاونة الاخيرة بتحركات ايران ووصول هذه التحركات الى مرحلة دقت ناقوس الخطر في الخليج والمنطقة العربية.
لقد كانت تصريحات بعض السياسيين الايرانيين مثيرة للريبة لدى الخليجيين، خصوصا تلك التي جاهروا عبرها بتشييع المنطقة، واخرى وهي الاهم جاءت على لسان محمد صادق الحسيني، الناطق الدائم باسم النظام الإيراني، فقال من على شاشة فضائية (الميادين) في 24 سبتمبر (أيلول) الماضي: “باب المندب اليوم مع مضيق هرمز يضيقان الخناق على البحر الأحمر”.
وأضاف “بتنا سلاطين البحر الأبيض المتوسط الجدد، وسلاطين البحر الأحمر الجدد، وسلاطين الخليج الجدد نحن محور المقاومة (أي طهران – دمشق – بغداد – الضاحية – صنعاء). وسنصنع خريطة المنطقة”.
لقد اتخذت السعودية اجراءات مهمة ضد هذا التمدد وان كانت تلازم الصمت حيال سياسة ايران لفترة طويلة، وربما يكون ابرز هذه الاجراءات هو دعم نظام السيسي في مصر والتأكد من عدم قدرة ايران على اختراقه وضمه الى قائمة مناصريه كما كانت ستفعل مع محمد مرسي والاخوان.
لكن؛ ما فاجأ السعودية والخليج هو ان ايران كانت على علاقة استراتيجية مع السودان وانها ضمنت خلالها ايصال الاسلحة لكافة الاطراف التي تعمل معها، كما انها جعلت الخليج وسط منطقة نفوذها وليس على اطرافها.
وعلى الرغم من ان عمر البشير قد اخبر السعودية خلال زيارة ادى فيها فريضة الحج، ان العلاقات طبيعية بين طهران والخرطوم، كما حاول اقناعهم عبر تهيئة زيارة له الى مصر تمت ايضا لترتيب الامر. الا ان السعوديين لم يقتنعوا هذه المرة.
ايران احست بالخطر ايضا وقد صرح ظريف حينها ان العلاقات بين ايران والسعودية تسير بخطى جيدة في محاولة لامتصاص الخطر.
لكن يبدوا ان السعوديين والخليج قد شعروا ان الامور بحاجة الى تحرك فوري فاستخدموا سلاحهم الاقوى وهو النفط. فقد اغرقت السعودية الاسواق واستخدمت نفوذها في اوبك لتطيح باسعار النفط وتجعل ايران وروسيا في موقف حرج جدا، خصوصا وان الاقتصاد الايراني لايمكن ان يتحمل هبوطا اكثر من 70 دولار للبرميل، كما ان روسيا ستخسر ملياري دولار سنويا عن كل دولار هبوط للبرميل الواحد، وهذا ما يجعل روسيا غير قادرة على تقديم اي مساعدة لحليفتها ايران.
الايرانيون توقعوا ان الازمة لن تطول وان السعودية تريد فقط توجيه رسالة شديدة اللهجة، لذا حاولوا مسايرة الامر برفع وتيرة الاضطرابات في اليمن واعطاء حرية اكبر للحوثيين في ارباك الامور في الخليج.
لكن المفاجأة التي لم يحسبوا لها حساب هو ان تقدم السعودية على دخول حرب في اليمن وعبر تحالف خليجي قوي، كما انهم لم يتوقعوا ايضا ان السعودية تستطيع توجيه رسالة اكبر من ذلك عبر دخول باكستان الجارة النووية لايران، وبهذا تكون الامور قد انقلبت راسا على عقب، ففي الوقت الذي كانت طهران تحاول تطويق الدول الخليجية عبر جذب السودان لتحالفها وجدت نفسها محاطة بحلفاء الخليج فضلا عن تقهقر نفوذها في اليمن وفي سوريا وضعف حزب الله وظهور مناؤين له حتى من الشيعة في لبنان،يضاف الى ذلك الازمة النفطية الخانقة التي ارتفعت وتيرتها مع استمرار هبوط الاسعار.
في هذه اللحظة شعرت امريكا ان فرصتها مؤاتية لاخضاع ايران وبرنامجها النووي، واقناع دول اوربا بان ايران يمكن ان تكون ارضا خصبة لمشاريع اقتصادية هائلة خصوصا وان الايرانوين ادركوا وعلى مضض انهم تحت المطرقة ولابد من التهدئة والخروج باقل الخسائر لذا تم التوصل الى الاتفاق النووي والذي اعتبره الكثيرون بداية نهاية ايران كدولة مؤثرة، بينما حاولت ايران ان ترسم لنفسها صورة امام مؤيديها ومناصريها انها دولة عظمى ويمكن ان تتفاوض وتنجح، لكن يبقى الامر الاهم من كل هذا هو ان ايران خرجت من تحت العباءة الروسية وانضمت للدول الساعية الى ارضاء رغبات امريكا وهذا بحد ذاته انجاز كبير.