تضعنا مطالبة المرجعية الدينية في كربلاء الجمعة الماضية لرئيس الوزراء حيدر العبادي بأن يكون أكثر “جرأة وشجاعة” بمكافحة “الفساد المالي والإداري”، داعية اياه إلى “الضرب بيد من حديد” على “العابثين” بأموال الشعب، وعلى ضرورة الاشارة الى من “يعرقل” مسيرة الإصلاح!! امام اختبار حقيقي..
وقد يقول قائل، ان المازق الحقيقي في عملية الاصلاح التي اطلقت المرجعية من خلالها يد العبادي في الية تنفيذها خلال المرحلة الراهنة، وهنا تكمن الحيرة، فالعبادي فاجئ الجميع بعد يومين من تفويض المرجعية بسلسلة قرارات اطلقها بعد تصويت مجلس الوزراء عليها خلال جلسة استثنائية عقدها للنظر في العديد من الملفات التي كانت سبباً فيما الت اليه الاوضاع في البلاد.
فالجميع يعلم صعوبة تنفيذ التغيير في هذا الوقت تحديداً فبلد يعيش اوضاعاً سياسية غاية في التعقيد ووضع امني غير مستقر مع استمرار الحرب على تنظيم داعش الارهابي الذي على ما يبدو ان عملية القضاء عليه ليست قريبة ناهيك عن الصعوبات التي تكتنفها، يضاف اليها تخبط الشارع العراقي الذي يشهد هو الاخر انقساماً في تصنيف تظاهراته التي خرج بها والتي اراد البعض منهم الابقاء على استقلاليتها وللاسف عبثاً كانت محاولاتهم بعد ان زحفت اليهم الاحزاب الدينية والمليشيات المتنفذة، فاضحت معها الاهداف والغايات غير واضحة بعد ان بيعت بثمن بخس، وهذا بحد ذاته اصابت الكثيرين بالخيبة من مدى تفشي الفاسدين وصولاً الى الصوت الحر!!
بالعودة الى عملية الاصلاح التي يسعى الجميع الى تطبيقها على حكومة ورثت فشل حكومات سابقة كانت السبب تدهور الخدمات وافلاس الدولة وتخبطها امنياً وسياسياً، ولا يخفى على الجميع ان الحكومة الحالية هي جزء من المنظومة التي كانت تحكم سابقاً بل كانت تشد وتساند اولئك الذين ادخلوا البلاد في دوامة العنف والافلاس.
وهنا ياخذنا سؤال يحتاج الى اجابة صريحة، الى اي مدى يستطيع العبادي المضي في عملية الاصلاح، ان العملية بحسب كثيرين وهم من غير المتفائلين ستقتصر على تقليص الكابينة الوزارية من خلال الدمج او الحذف وهنا سنواجه العديد من الاشكالات بسبب سوء التخطيط والتنفيذ، فبعض الاصلاحات المطروحة تحتاج الى تشريع قوانين، لاسيما ان بعض القرارات تخالف الدستور ورحه، فنحن لانزال لا نملك القدرة على احداث التغيير الامثل بسبب قصور في نظامنا السياسي المبني على المحاصصة والتوزيع الطائفي (وهذه مشكلة بحد ذاتها) والذي اصيب به الجميع بدون استثناء وصولاً الى الاقليات التي باتت تبحث عن مرجعية تحميها شر الانقراض بين حيتان العراق.
وما يتعلق بالبرلمان الذي سارع الى دعم اصلاحات العبادي وانه سيحارب بقوة الفساد والمفسدين وسيكون رقيباً على اداء الوزارات خلال المرحلة المقبلة، سوف لن يكون بمنأى هو الاخر عن الاصلاحات التي طالت رئاستي الجمهورية والوزراء، فالسلطة التشريعية امام اختبار حقيقي في كشف جدية الكتل في سعيها للاصلاح وانقاذ البلاد من هذا الخراب.
ان امام العبادي العديد من التحديات وقد يكون احدها اجراء اصلاح سياسي داخل التحالف الذي ينتمي اليه، والذي هو الاخر يعيش اسوء فتراته بسبب الانقسام والخشية من انفراط عقد التحالف الشيعي الذي قاد البلاد خلال العشر سنوات الماضية، فامام الرجل جملة من التحديات خاصة وهو الان مسلح بتاييد المرجعية الذي فوضه التعامل بحزم مع الفساد والمفسدين، وهنا ستحدث الكارثة، ان العبادي يحتاج الى معجزة خاصة اذا صوت البرلمان على اصلاحاته، والى تكاتف تحالفه اولاً قبل الاخرين الذين ينتظرون منه البدء بتنفيذها على اولئك الذين امعنوا الضرر بالبلد، فالايام المقبلة اما ان تشهد اصلاحاً شجاعاً يقتلع معه العبادي وتحالفه كل المتامرين والفاسدين او سنشهد سيناريو يصعب على الجميع تخيله..