جائت زيارة وزير الدفاع الاميركي أشتون كارترلأسرائيل قبل ثلاثة ايام بمثابة رسالة تطمين للحليف الصهيوني التقليدي في المنطقة عقب توقيع الدول الست الكبرى إتفاقا تأريخيا مع إيران حول برنامج الأخيرة النووي ، بعد إن جن جنون رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وحكومته من هذا الإتفاق وطول النفس الاميركي الذي جذر الخلاف بين تل أبيب وسيدتها واشنطن . كانت إشارات الرئيس الاميركي واضحة في هذا الشأن عندما قال إذا خرجتم من جلدكم الاسرائيلي وأجلستم انفسكم في البيت الابيض، فسوف تصلوا أنتم ايضا الى نفس النهاية التي وصلنا إليها ، فمن المجدي للولايات المتحدة وحلفائها أن تتفق مع ايران . وهنا نتسائل كيف يمكن للغرب ان يتحالف مع ايران النووية الشيعية ، حتى على حساب علاقاته التقليدية مع الدول الحليفة السنية ، رغم علمه المسبق بأن ايران تسعى الى توسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط بوسائل عدة ؟ أعتقد أن السبب يكمن في أن ايران أصبحت تمثل المستقبل بينما السعودية ومصر قد أصبحتا من الماضي. فالإستثمار في السعودية أو مصر أصبح يشكل صفقة سيئة في كل الأحوال لكل من يفكر في ذلك بسبب الأوضاع والتقلبات وحالة عدم الإستقرار التي أصابت كلا البلدين بعد ان كانا يُعدان قطبان مؤثران في المنطقة ولهم ما لهم من ثقل سياسيي ،فالنظام السعودي الذي زج نفسه في آتون حرب اليمن والتي يبدو أن لانهاية لها في المستقبل القريب بات على وشك الإنهيار في ظل تداعيات خطيرة تحيط به كهبوط أسعار النفط وتدهور إقتصاده بالإضافة الى السجل الأسود في مجال حقوق الانسان وحجم الإنتهاكات الفاضحة فيه والتمايز المذهبي بين مكوناته مما سيقود هذا النظام المتهالك الى عدم القدرة على حماية مصالحه ،أما مصر فهي تترنح مابين إرهاب الإخوان وعدم قدرة النظام الفتي على المواجهة وحل الأزمات التي تعصف به فلا يوجد أي سيناريو يتنبأ لها باستقرار سياسي وإزدهار اقتصادي.
بينما الإستثمار في إيران اليوم ينطوي على أبعاد اقتصادية مهمة وهو كفيل بأن يكون ربحيا على نحو رائع. إيران هي المستقبل ليس فقط بفضل حجم سكانها، ومساحتها الهائلة والقدرات الطبيعية الهائلة التي تمتلكها فقط، بل لأن إيران هي أمة متراصة، ذات ثقافة غنية، وشعب يدين بولاء لا مثيل له لوطنه ونظام سياسي قوي وطبقة متعلمين واسعة تتميز بقدراتها العلمية والتكنولوجية. والأهم من كل هذا هو الذاكرة التاريخية التي يمتلكها هذا البلد الغائر في عمق التاريخ وبطونه والذي كانت حضارته الأصيلة تتسيد العالم في إحدى دورات الزمن الماضي ، لذا من السهل جدا أن نفهم لماذا أستيقظت الأمة الإيرانية من سباتها الطويل، وبتنا لا نستطيع ان نغلق آذاننا أمام زئيرها المتصاعد وهي تخطو كل يوم نحو سلم التقدم والنهوض. عليه ليس من الحكمة أن تترك القوى العظمى فرصة بناء علاقات اقتصادية وسياسية وعقد الصفقات المختلفة مع الأمة المستيقظة . فضلا عن أن هناك عاملا مهما يتعلق بطبيعة الشعب الإيراني الذي يحمل من القيم الليبرالية ما لايحمله شعب الجزيرة ذات الصبغة البدوية ، عليه فأن ايران أكثر قربا للغرب من هؤلاء الأجلاف الذين لا يفقهون سوى ثقافة الصحراء المتحجرة ، فالمُصدر الأكبر للأفكار المُشجعة للإرهاب ليست ايران بل السعودية التي مولت العديد من المدارس وفي مختلف ارجاء العالم السُني لنشر الأفكار الهدامة والمنحرفة والتي انتشرت من اندونيسيا الى ما وراء الصحراء الكبرى. لذا أصبح الإرهاب (ذات الهوية السُنية) ومن يقف خلفه من الزعامات الخليجية المُتخلفة والفاسدة مصدر قلق يثير مخاوف الغرب أكثر من النووي الشيعي ، وسوف لن تبقى أميركا حليفا ًوسنداً إستراتيجيا لدول الخليج الى الأبد وستتخلى عنها (إذا ما تخلت عنها أصلا)
وقد أشار الرئيس أوباما الى ذلك صراحة عندما قال على حلفائنا في دول الخليج أن يعوا جيدا أننا لسنا مستعدين لحل مشاكلهم دائماً ، وعليهم أن يلتفتوا الى مشاكلهم الداخلية وأن يجدوا الحلول الناجعة لها بأنفسهم . لذا أعتقد ان زمن الشيوخ والأمراء والعربان الذين لاجدوى منهم قد إنتهى وحان زمن الشريك القادر على مسك زمام أمور المنطقة والذي لا يخالجني شك من أن هذا الشريك هو إيران بحلتها النووية الجديدة.