منذ تولي السيد العبادي لرئاسة الوزراء بعد مخاض عسير في داخل التحالف الوطني الذي فشل في الوقوف بوجه اصحاب الولاية الثالثة ، الامر الذي دعى أطرافه الى ايجاد حالة من الإلتفاف واختيار شخصية من دولة القانون وحزب الدعوة تحديدا ، وفعلا تم اختيار السيد العبادي ليكون رئيس للحقيبة الوزارية لتبدأ مرحلة تشكيلها ، والاتفاق على ورقة مشتركة بين جميع القوى السياسية سميت “بالورقة السياسية ” لتكون خارطة طريق حكومة العبادي والبدء بتنفيذ بنودها سواء مع الأكراد او السنة او في داخل التحالف الشيعي .
حكومة العبادي التي جاءت في ظل السقوط المريع لمدن العرق الثلاث بيد داعش ، مما جعل مهمة العبادي صعبة ، خصوصاً مع بلد مفلس لا يملك دينار واحد في مزانيته ، وفساد مستشري حطم أركان الدولة ، وحكم للعوائل ،وكاننا نعيد تجربة حكم ابناء تكريت والعوجة ، ناهيك عن انهيار كامل للدولة العراقية ، اذ ومنذ سقوط النظام البعثي لم نقف على معالم دولة او يمكن ان نقول ان في العراق أسست دولة تحمي المواطن وتصون المقدسات ، وتصان فيها الحرمات ، فالمواطن دمه مهدور سواء من قبل الارهاب او من قبل عصابات القتل الماجورة او البعث المقنع ، والمقدسات قد هدمت ، والحرمات قد انتهكت سواء من قبل الارهاب الداعشي او من عصابات الجريمة المنظمة فلا وجود لحياة كريمة لمواطن حر .
لا اريد ان أصور المشهد على انه سوداوي ، ولكن الواقع العراقي اصبح يتمحور حول بقاء الدول وديمومتها وليس على بقاء تطوير اداء مفاصلها ، واستخدام اكثر الطرق تطوراً في خدمة مواطنيها ، فنرى اليوم الصراع محتدم على المناصب بين الكتل السياسية التي هي الاخرى تتعلق بالدولة بقدر تعلق مصالحها الحزبية ، والا البلاد تخوض حرباً ضروس ضد الارهاب الداعشي ، فيما تعيش بعض الكتل والشخوص في وادٍ اخر دون اي حس او شعور بالانتماء او المسؤولية تجاه البلد الذي جعلهم اسياداً فيه .
السيد العبادي سار بخطوات جيدة ، وكان جاداً في الكثير من القضايا والمشاكل التي عصفت بالبلاء إبان حكم المالكي والسياسة الهوجاء التي ضيعت البلاد والعباد ، وأسقطت ثلاث محافظات من اهم المحافظات العراقية بيد داعش ، ولكن اللافت ان السيد العبادي بدا ينحو منحى سلفه في إدارة الدولة وهي إدارة الملفات بالوكالة ، واتباع الانتقائية في اتخاذ القرارات المصيرية ، والتي يجب ان يكون للشركاء دوراً في هذه الملفات ، كما ان الأخير اتبع نفس السياسة في تضييع اي دور للتحالف الشيعي ، وضرورة ان يكون له دور في مجمل القضايا والقرارات التي تهم مستقبل البلاد وشعبه .
لهذا نلاحظ اليوم ان العلاقة بين الكتل الشيعية وبين العبادي فيها الكثير من الملاحظات ، بدء من الادارة بالوكالة والذي كان احد اسباب فشل حكومة المالكي ، وكيفيات تدير شؤون البلاد والعباد عبر مكتب رئيس الوزراء ، ومن أقارب المالكي وحاشيته والمحسوبين له ،وكاننا نعيد حكم ابناء تكريت والعوجة ولكن بلمسة اسلامية .
نعم يتفق الجميع ان العملية السياسية تمر بانعطافة خطيرة ، وظروف امنية معقدة لهذا الاجدر بالسيد العبادي السير بخطى واثقة ، والعمل بصورة جماعية ، وتحت غطاء جمعي ليكون قادرا على النهوض بالواقع الماساوي في محاربة الارهاب الداعشي وارهاب الفساد المستشري ، كما يجب عليه الاستفادة من الدروس السابقة من خلال توحيد المواقف ، وراب الصدع بين جميع القوى السياسية ، ومد جسور الثقبين المكونات الشيعية خاصة ، وعموم القوى الاخرى ، سواءً في داخل التحالف والذي اعتقد جازماً ان اعلان موته بات قريبا جدا ، او مع عموم القوى السنية والكردية .
اعتقد ان شهر العسل قد انتهى بين السيد العبادي وعموم القوى السياسية التي باتت لا ترى نوراً في نفق سياسة الوكالات والانتقائية في القرارات ، لهذا ربما في المستقبل القريب ستسعى بعض القوى الى فض الشراكة مع العبادي وتشكيل تحالفات جديدة ، كما انها تنذر بنهاية التحالف الشيعي الذي بات في حكم المنتهي لتبدأ مرحلة الطلاق الخلعي والانفصال .