هذا مقال مهني بحت , غير طائفي ولا عنصري , يتناول باسلوب علمي وحيادي تام , موضوعاً مهماً أعتقد أن معظم المسؤولين والمواطنين لا يدركون أهميته ومدى حساسيته بالنسبة لأمن العراق وكيانه كدولة , إن موضوع المقال يتناول كل ما يتعلق بأقدم ضابط بالجيش وهو رئيس اركان الجيش .
إن ما دفعني الى الكتابة عن هذا الموضوع هو التصريحات التي ادلى بها بعض السادة النواب والسياسيين الكرد والتي أشاروا فيها الى ما يأتي :-
1 – إن منصب رئيس اركان الجيش هو من حصة الكرد كونه استحقاقاً دستورياً وقانونياً .
2 – هناك محاولات للألتفاف على هذا المنصب بحجة إختيار شخصية مهنية وصاحبة كفاءة .
3 – إن الكرد نجحوا في شغل هذا النصب والمناصب العسكرية بكفاءة ومهنية يشهد بها القاصي والداني خلال السنوات الماضية .
4 – التحذير من منح منصب رئيس اركان الجيش بالوكالة كما جرى مع بقية المناصب العسكرية خلال السنوات الماضية مع المطالبة بجعل التعيين بالأصالة من أجل أن يتحمل مسؤولياته كاملة أمام القانون وأمام الشعب
كل السادة النواب والساسة الذين طالبوا بأن يكون رئيس اركان الجيش كردياً لم يكونوا عسكريين سابقين ولا يمتلكون ثقافة عسكرية …ولهؤلاء وغيرهم من الساسة المحترمين أقول :-
إن القائد الميداني الفعلي للجيش هو, ليس القائد العام للقوات المسلحة , ولا وزير الدفاع , بل هو رئيس اركان الجيش , الذي ( يجب ) أن يكون ضابط ركن من أكفأ الضباط في الجيش وصاحب تجربة ميدانية حقيقية , ومن حملة الشهادات العلمية العسكرية العليا , ويمتلك شخصية عسكرية تؤهله لقيادة كبار القادة والضباط في الجيش , والتعامل مع وزير الدفاع و مع القائد العام للقوات المسلحة بالشكل الصحيح , وأن تكون نظرته للأمور والمهام المتعلقة بمنصبه نظرة ستراتيجية واسعة وليست نظرة محدودة ضيقة .
إن اختيار ضابط بمثل هذه المواصفات لادارة رئاسة أركان الجيش ليس بالأمر الهين أو البسيط , لأن المهام الملقاة على عاتقه تتطلب لادارتها بنجاح رجلاً ( له القدرة على أن يرى ما لا يراه غيره من الضباط ) و ( يتخذ قراراتاً لا يجرؤ على غيره اتخاذها ) و ( يتحمل من الاعباء والمسؤوليات ما يخشى كثيرون من تحملها ) وهو بالاضافة الى ذلك سيتولى قيادة ( القوة المسلحة المكلفة بحماية حدود الدولة والمحافظة على وحدة كيانها وصد العدوان على اراضيها ) وهو القائد الذي يعلم جيداً انه يضع نصب عينيه سبيلاً واحداً له ولمعيته هو ( أما النصر أو الموت ).
ذلك هو رئيس اركان الجيش .
بناءً على ما ورد أعلاه فان ما ذكره بعض السادة النواب من أن منصب رئيس اركان الجيش هو استحقاق كردي دستوري وقانوني , هو إدعاء باطل و غيرصحيح , لأن المطلوب هو ضابط عراقي , ما يهم الجيش والوطن في شخصيته هو توفر مواصفات وقدرات وامكانيات معينة تؤهله لقيادة الجيش في السلم والحرب لتحقيق النصر , ولا علاقة لأصله وفصله ومعتقده ومذهبه في ذلك , ومن يقول ان لهذا المنصب استحقاق دستوري هو لا يدرك مفهوم منصب رئيس اركان الجيش .
أما قول البعض من أن الضباط الكرد نجحوا في شغل منصب رئيس اركان الجيش والمناصب العسكرية الأخرى بكفاءة ومهنية يشهد بها القاصي والداني خلال السنوات الماضية , فهو قول صحيح مئة بالمئة , لكنه بحاجة الى توضيح لأن ( كثير من الضباط الكرد منذ تأسيس الجيش العراقي عام 1921 حتى اليوم أثبتوا كفاءة ومهنية ووطنية يشهد بها القاصي والداني , وقد فعلوا ذلك لا لكونهم كرداً بل لكونهم ضباطاً عراقيين ينتمون لمؤسسة عراقية لا عنصرية ولا طائفية ). ذلك هو الجيش العراقي .
إن الواقع الحالي الذي ساد منذ عام 2003 حتى اليوم بالنسبة الى منصب رئيس اركان الجيش هو كما يأتي :-
لقد تم حل الجيش العراقي وتسريح كافة منتسبيه من الضباط والمراتب من قبل سلطة الاحتلال الامريكي عام 2003 بتأييد من الاحزاب الدينية والكردية وجهات داخلية اخرى ( هذا ليس موضوعنا هنا ) ثم بوشر بتشكيل جيش جديد من قبل سلطة الاحتلال ايضاً , لقد جرى كل ذلك قبل تشكيل وزارة الدفاع التي يقع على عاتقها واجب تشكيل الجيش الجديد , أي أن تشكيلات ووحدات الجيش بدأت تتشكل و تنموا من دون وجود قيادة عسكرية عراقية , وهذا أمر مخالف للسياقات المعتمدة في تشكيل الجيوش , لأن سلطة الاحتلال هي التي حلت الجيش وهي التي اخذت على عاتقها مهمة تشكيل الجيش الجديد من دون وجود قيادة عسكرية عراقية ولا حتى ضباطاً او ضباط صف عراقيين . لقد ظهرت نتائج هذا العيب الخطير في الاخفاقات الكبيرة التي عانى منها الجيش الجديد فيما بعد خلال عمليات مواجهة الارهاب .
لقد وقع اختيار سلطة الاحتلال على ضابط عراقي من غير خريجي كلية الاركان لتولي منصب رئيس اركان الجيش الجديد , هو اللواء عامر الهاشمي , ثم جرى تغييره بعد عدة اشهر في وزارة الدكتور اياد علاوي لاسباب مجهولة , ووقع الاختيار هذه المرة على ضابط آخر من غير خريجي كلية الاركان لتولي المنصب لاسباب مجهولة ايضاً وهو الفريق ( تمت ترقيته الى فريق اول فيما بعد ) بابكر زيباري من خريجي الكلية العسكرية العراقية , وكان قد وصل الى رتبة ملازم اول قبل التحاقه بالحركة المسلحة الكردية وانتمائه الى قوات البيشمركة أثناء حكومة البعث
يقول احد كبار ضباط الجيش العراقي ( بقدر ما كان الفريق بابكر زيباري انساناً طيباً ذا صفات وسجايا كريمة واخلاق راقية , فانه كان بعيداً عن استحقاق منصب رئيس اركان الجيش ) .
لقد كان الاعتقاد السائد في وزارة الدفاع ان هذا التعيين كان جزءً مما يسمى بالمحاصصة .
إن المبدأ هو ( ان ما يسمى بالمحاصصة يجب ان لا يطبق مطلقاً في المناصب التي تؤثر على سلامة وامن واقتصاد ووحدة العراق , وان ينظر الى الاشخاص الذين يتولون المناصب في هذه المجالات , كعراقيين يتحدد رأسمالهم بكفائتهم وامكانياتهم المهنية والعلمية بعيداً عن العنصرية والمذهبية ) .
من المؤسف ان الفريق زيباري لم يمارس مهامه كرئيس لاركان الجيش خلال المدة الطويلة جداً التي امضاها في هذا النصب , ومن المؤسف اكثر ان رئيس الوزراء آنذاك السيد نوري المالكي قد شجع زيباري على ذلك الموقف الانهزامي كي يتولى هو ادارة رئاسة اركان الجيش عن طريق المكتب العسكري غير القانوني الذي أنشأه في ديوان مجلس الوزراء . لقد كان من نتيجة ذلك الاجراء غير الدستوري , اخفاق الجيش في مواجهة العصابات الارهابية مما تسبب في استيلاء تلك العصابات على اكثر من ثلث الاراضي العراقية , وهو حدث لم يواجهه العراق ابداً في تأريخه الحديث .
لقد كان السيد المالكي يتخذ قراراتأ عسكرية بلا خلفية عسكرية , ويختار القادة العسكريين الكبار من دون مشورة من رئيس اركان الجيش , ويتولى ادارة شؤون الجيش الادارية والعملياتية من دون خبرة او خدمة عسكرية سابقة في القوات المسلحة . إن سبب ذلك التصرف غير القانوني هو عدم فهم واستيعاب معنى القائد العام للقوات المسلحة .
الغريب ان جميع الضباط الذين ظهروا على شاشات الفضاءيات وتكلموا لساعات طوال عن احداث سقوط الموصل , كانوا يشيرون الى صدور الاوامر من السيد المالكي مباشرة , ولم يرد اسم رئيس اركان الجيش ولا مرة وكأنه لا علاقة له بالموضوع على الرغم من انه القائد الميداني لكل الجيش ( ان مفهوم القائد الميداني يعني انه مسؤول عن العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش في ميدان المعركة ) .
ما كان يفعله السيد المالكي في ادارته لوزارة الدفاع ( رغم وجود وزير دفاع ورئيس اركان للجيش ) هو نفس الخطأ الذي كان يرتكبه صدام حسين في ادارته للجيش مع فارق واحد هو ان صداماً كان يرتدي الملابس العسكرية بشكل غير قانوني ويحمل رتبة عسكرية لا يستحقها , ويضع خططاً من دون خبرة عسكرية ولو ليوم واحد .
أما السيد نوري المالكي فبدلاً من ارتداء الملابس العسكرية , خلق مكتباً عسكرياً – بشكل غير قانوني – يرتبط به مباشرة , وهو حلقة زائدة اعلى من وزير الدفاع ومن رئيس اركان الجيش , وبذلك اصبح مهيمناً على امور الجيش واصبح وزير الدفاع ( الفريق الركن عبد القادر محمد جاسم , ثم السيد سعدون الدليمي ) بمثابة نائب ضابط لدى السيد المالكي .
الخلاصة
1- كل الاخفاقات التي حدثت اثناء المواجهات مع الارهابيين , سببها حل الجيش السابق وتشكيل جيش جديد غير قادر على مواجهة التحديات غير المتوقعة .
2- كل الامكانيات البشرية وغير البشرية متوفرة حالياً لاعادة تنظيم الجيش الجديد , والمطلوب هو قرار شجاع ومتابعة جدية .
3- يلعب منصب رئيس اركان الجيش دوراً حاسماً في ادارة وقيادة الجيش في السلم والحرب , وهو من المناصب المعدودة في الدولة التي يتوقف عليها أمن واستقرار ووحدة البلد .
4- المحاصصة مرض يمكن علاجه , ولكن عندما يصيب هذا المرض , مناصب حساسة معينة في الدولة منها منصب رئيس اركان الجيش , فانه يصبح سرطاناً خطيراً لا يمكن علاجه .
5- مهما تطور العلم واصبحت اسلحة الحرب أشد فتكاً واكثر تدميراً , فسيبقى الانسان هو العامل الحاسم في احراز النصر بالحرب .