تعتبر حرية التعبير من المبادئ اللصيقة بالأنسان من خلال تجسيدها لأنسانيته مما حدا بالجمعية العامة للأمم المتحدة لأيلائها أهتمام خاص من خلال تضمينها في الأعلان العالمي لحقوق الأنسان الذي أعتمدته الجمعية في العاشر من ديسمبر من عام 1948 ضمن المادة (19) في الأعلان الذي نصت على ( لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حرية أعتناق الأراء دون أي تدخل وأستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وأذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية ) وفي عام 1966 أعتمدت الجمعية العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في ديسمبرالذي تضمن في المادة (19) منه النص على أن لكل أنسان حق في أعتناق أراء دون مضايقة وله حق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريته في ألتماس مختلف طروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها الى الأخرين دون أعتبار للحدود وأشترط العهد الدولي لتقييد ذلك بنص قانوني وبالحدود الضرورية فقط . ومما يكسب النصوص الواردة في العهد الدولي مصادقة العراق عليها مما يعني أنها أصبحت جزءً من المنظومة القانونية للعراق .
وعند صدور دستور جمهورية العراق في عام 2005 تضمن في المادة (38) منه النص على كفالة الدولة وبما لا يخل بالنظام العام والأداب وحرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وجاءت هذه العبارة ضمن الفقرة (أولاً) من المادة أعلاه مطلقة والمطلق يؤخذ على أطلاقه حيث لم يشار في الفقرة المذكورة على تنظيمها بقانون أسوة بالفقرة ثانياً من نفس المادة التي نصت على حرية الصحافة والطباعة والأعلان والأعلام والنشر وخلافاً للفقرة (ثالثاً) من نفس المادة التي نصت على حرية الأجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون . علماً أن هذه المادة قد تم تحصينها بموجب المادة (46) من الدستور التي نصت على ( لايكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها الا بقانون أو بناءً علية على أن لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق والحرية ). مما ورد أنفاً كان واضحاً أن حرية التعبير مكفولة للمواطنين دستورياً وبموجب المواثيق الدولية التي صادق عليها العراق وأصبحت جزءً من منظومته القانونية وأن أي تعرض لهذه الحرية يشكل أنتهاكاً للدستور وتجاوزاً على حقوق وحريات المواطن وكان المناخ العام لحرية التعبير بعد سقوط النظام أيجابياً مما أتاح صدور العشرات من الصحف وأنشاء القنوات الفضائيةالا أنه مع تقدم السنين برزت رغبة ومحاولات السلطة التنفيذية بالهيمنة وقمع حرية التعبير كلما كان ذلك ممكنناً وتجسدت هيمنة السلطة التنفيذية في أول مشروع لقانون حرية التعبير عن الرأي والأجتماع والتظاهر السلمي الذي أعد من قبل مجلس الوزراء وأرسل الى مجلس النواب في عام 2010 والذي أعيد عرضه بنفس المسودة الأولى على مجلس النواب خلال عام 2014 ومن النظرة الأولى على هذا المشروع ندرك وبسهولة من خلال مواده التقييد على حرية التعبير بحيث يصبح العنوان الملائم لهذا المشروع بوضعة الحالي ( قانون قمع حرية التعبير ) ومن أبرز الجوانب السلبية التي يمكن رصدها للوهلة الأولى في هذا المشروع محاولته فرض هيمنة السلطة التنفيذية من خلال التصدي للمواطنين ومنظمات المجتمع المدني والصحافة وحرية التظاهر عبر العديد من النصوص التي تتصف بكونها فضفاضة وقابلة للتفسير والتأويل بما ينسجم ومنظور السلطة التنفيذية وفي مقدمة هذه النصوص عبارة النظام العام والأداب العامة والتي تعذر على المحكمة الأتحادية العليا من الوصول الى تعريف محدد لها في قرارها الصادر بالعدد 63 / أتحادية / 2012 الصادر بتأريخ 11/10/2012 في ضوء الطلب المقدم من قبل مجلس النواب حيث ورد
في القرار المذكور أنه ( يلزم الرجوع الى التشريعات كافة لمعرفة ما أذا كان ذلك محضوراً بنص من عدمة فأذا لم يوجد نص فيقتضي الرجوع الى القضاء فهو الذي يقرر ما أذا كان التصرف مخالفاً للنظام العام أو الأداب العامة وذلك في ضوء القواعد المجتمعية التي توافق عليها أفراد المجتمع في زمان ومكان معينين لأن مفاهيم النظام العام والأداب العامة زماناً ومكاناً ) وأذا علمنا أن المادة (130) من دستور جمهورية العراق نص على أستمرار نفاذ القوانين الصادرة قبل سقوط النظام مالم يتم ألغائها أو تعديلها والتي مازالت في معضمها نافذة لحد الأن مما يتيح أمام القضاء الرجوع أليها وتطبيق أحكامها القمعية التي صدرت من النظام الشمولي السابق ومن بين السلبيات التي تضمنها مشروع قانون حرية التعبير زجه لقضايا عديدة يتطلب تنظيمها بقوانين مستقلة مثل حرية الوصول للمعلومة وقانون التظاهر ودمجة لقضايا الأجتماعات السلمية والأنتخابية بالتظاهر ومن بين العبارات الخطرة القابلة للتأويل التي وردت في مشروع القانون تعمد التشويش على أقامة الشعائر وتحريف نص في كتاب مقدس عن طائفة دينية يغيرفي معناه وأهانة نسكاً أو رمزاً أو شخصاً موضع تقديس والكراهية القومية وكل هذه العبارات تحتمل التأويل والتفسير مما يضع من يهتم بها تحت طائلة العقوبات السالبة للحرية التي نص عليها القانون والتي تصل الى السجن لغاية عشرة سنوات والغرامة التي تصل الى عشرة ملايين دينار كما أن نص القانون على تطبيق أحكام قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 فيما لم يرد فيه نص خاص في هذا القانون يعني الخضوع الى ستة عشر مادة وردت في القانون المذكور وتخص بشكل مايسمى بجرائم النشر وهي المواد ( 81- 84) والمواد ( 180 – 182 / 1 – 201 – 211 – 214 – 215 – 225 – 226 – 227 228 – 433 – 434 ) أضافة للمادة 43 – وجميع هذه المواد تفرض عقوبات سالبة للحرية عن مايسمى بجرائم النشر وأذاعة أخبار ماسة بأمن الدولة وبث الأخبار الكاذبة والأشاعات المصطنعة وتوجيه الأهانة بأحدى طرق العلانية وحيازة مطبوعات تخل بالحياء والقذف والسب وأفشاء الأسرار وتصل العقوبة في بعض هذه المواد الى السجن لمدة خمسة عشر عاماً مما يتطلب أعادة نظر شاملة بهذه المواد والأكتفاء بالغرامات المادية بدلاً من العقوبات السالبة للحرية ومن الضروري أن نشير الى وجود خرق دستوري تمارسة السلطة التنفيذية في التعامل مع التظاهرات حيث أن المادة (46)
من الدستور التي أشرنا أليها أنفاً لاتجيز أي تقييد لممارسة الحقوق والحريات الأ بقانون الأ أن السلطة التنفيذية وبمجرد أرسالها مشروع قانون حرية التعبير الى مجلس النواب عام 2010 والذي لم يشرع لحد الأن بسبب الضغط الكبير في التصدي له بالرغم بدء تطبيق النصوص الواردة ضمن المواد والمتعلقة بحرية التظاهر السلمي والواردة ضمن المواد ( 7و8و9و10) من مشروع القانون التي تمثل قمعاً صريحاً لحرية التظاهر في جميع نصوصها رغم أنه مازال مشروعاً ولم يصبح قانون لعدم التصويت عليه في مجلس النواب ومصادقة رئيس الجمهورية ونشرة في الجريدة الرسمية ليصبح قانون ملزم وواجب النفاذ مما يشكل خللاً كبيراً في تعامل السلطة التنفيذية مع أهم أبواب الدستور وهي المتعلقة بالحقوق والحريات وفي الختام فأن منظمات المجتمع المدني المعنية بهذا الموضوع والتي نجحت حتى الأن في الوقوف أمام تشريع قانون حرية التعبير بصيغته الحالية معنية بممارسة مختلف الفعاليات والأنشطة وتحشيد أوسع قطاعات المجتمع ممن يشكل مبدأ حرية التعبير جزءً حيوياً في ممارستها لحياتها الأعتيادية وصولاً الى تحقيق الحرية والعدالة الأجتماعية من خلال الضغط على السلطتين التنفيذية والتشريعية لتشريع قانون لحرية التعبير يجسد يجسد في حدة الأدنى الحقوق والحريات الواردة في دستورجمهورية العراق لسنة 2005