بغداد/نينا/ تقرير عمر عريم : ايام قلائل تفصلنا عن عيد الفطر المبارك .. المكافاة الربانية لعباده الصائمين العابدين الذين حرموا انفسهم من متعة الطعام والشراب والتقرب الى النساء تنفيذاً لامره سبحانه وتعالى بصيام شهر رمضان الكريم.
وعلى مر العقود الماضية تميزت المجتمعات العربية والاسلامية باستقبال العيد بطرق مختلفة تعبر عن الالفة والمحبة والروابط الاجتماعية التي تحرص العوائل على ادامتها وتربية الابناء عليها.
وفي العراق كغيره من البلدان العربية والاسلامية ، تقاليد وعادات موروثة وطقوس معينة تصل الى عمل اكلات معينة تميز استقبال العيد وايامه عن غيره من الايام والشهور.
ومن هذه العادات التي حرصت العائلة العراقية على ادامتها وعدم الانقطاع عنها رغم الظروف التي تمر بها البلاد ، عمل /كليجة/ العيد.
والكليجة .. كلمة اصلها فارسي وتعني الحلق او القرص المستدير وتكاد تكون معروفة فقط في العراق وسوريا وشرق السعودية.
و نجد للكلمة أصلاً تركياً كذلك ، وتعني ” السيف ” في حين نجد في اللغة العربية كلمة ” كيالجة ” التي تعني المكيال ، وقد تكون التسمية تحويراً لهذه الكلمة.
غير أنّ هناك مفردة مستحدثة أخرى موجودة في اللغة العربية وهي ” كليشة ” وتعني القالب المكرّر ، وقد تكون أقرب إلى فكرة هذا النوع من الكعك الذي يتم صناعته بواسطة قالب مكرّر.
وتعتبر” الكليجة ” من أشهر أنواع الكعك المنتشرة في العراق بشكل خاصّ ، وفي بلدان الخليج العربي بشكل عام ، وقد ارتبطت بالأعياد والمناسبات السعيدة ، وأصبحت تدخل ضمن الموروثات التي تشكل هويّة المطبخ العربي .
واشتهرت الكليجة بشكل كبير في العراق ، واحتلت المرتبة الأولى في تصنيف الانتشار ، كما امتدّ صيتها الى المدن السعودية لتغزو بعدها كلّ شبه الجزيرة العربية ، وتدخل في عاداتها وفي طقوس الأعياد والاحتفالات.
تُصنع الكليجة من الطحين المنخول / الابيض او الصفر/ والزيت والحليب والسكّر ، ويتم استخدام التمر في الحشو إضافة إلى الهيل وماء الورد والسمسم وبعض المكسّرات ، خصوصاً الجوز ، بحيث يتم تشكيل كريات متساوية الحجم من العجين ووضع قليل من الحشو بداخلها، ثم تشكّل باليد أو بواسطة قالب.
وتجتمع النساء العراقيات في أواخر شهر رمضان ، من أجل صناعة كميات من ذلك الكعك الجميل والناعم والمليء بالذكريات. فهو لا يحمل في داخله فقط بعض التمر ، وإنّما يحمل كذلك ذاكرة أجيال كاملة بقي يسكنها مشهد تحلّق الأمهات السعيدات أثناء صناعتها مثلما بقيت رائحتها تجوب أزقّة بغداد إلى يومنا هذا ، لتعلن أنّ العيد يدقّ أبواب العراق والعالم.
ولازالت الكثير من العوائل العراقية وخاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية تحرص رغم الظروف القاهرة والازمة المالية ، على لم شمل ابنائها وبناتها والجيران والمعارف حول طاولة /عجينة الكليجة/ والبدء بعملها وسط اجواء من الفرح والسعادة والتباهي بعدد /صواني/ الكليجة التي يذهب بها الاولاد الصغار الى الافران الحجرية لاتمامها ، وبعدها يبدأ التوزيع للاقارب والجيران اضافة لما يتبقى منها ليكون على رأس مائدة اول ايام العيد كحال الكاهي وقيمر العرب.
تقول الحاجة /ام حاتم/ والتي تجاوز عمرها الثمانين عاما عن /الكليجة/ وذكرياتها وقد بدت الدموع واضحة على عينها ” كنا في سنوات سابقة قبل النزوح والتهجير حريصين على هذه العادة التي توارثناها من ابائنا واجدادنا عبر جمع الابناء والبنات والاقارب والجيران /لمة حبايب كما سمتها/ لعمل الكليجة والتي /نتفنن/ في عملها وبكمية الطحين والتمر والهيل والجوز والحلقوم لعملها “.
واضافت ” الا ان ما حدث لنا من تهجير اصبحنا بعيدين عن اهلنا و/لمة الحبايب/ التي تعودنا ان نديمها ” داعية من الله سبحانه ان يعيدها وكل النازحين والمهجرين الى ديارهم من اجل استعادة ما فقدته من هذه الاجواء.
من جانبها قالت السيدة /ام اسامة/ ان ” العائلة جميعا كانت تنتظر الايام الاخيرة للبدء بعمل /الكليجة/ والتي يبدأ التحضير لها في يوم 27 من رمضان ليبدأ العمل بها / وحسب الكمية/ في اليوم التالي او في اليوم الاخير من شهر رمضان المبارك ويتم وزيعها بين الاهل والجيران في ليلة العيد بشكل خاص “.
واضافت ان ” لكل عائلة طريقة خاصة بعمل /الكليجة/ الا ان الجميع يتفقون على عملها بلمة العائلة والجيران وهذا ما يعطيها ميزة مشاركة الجميع بعملها “.
من جانبها قالت السيدة /ام ياسر/ انه ” ورغم انتشار /الكليجة/ الجاهزة والافران الكهربائية الا ان طعم عملها باليد وبالفرن الحجري يعيطها ميزة الطعم الخاص”.
وقالت ان” عمل الكليجة رغم تعبها ، الا اننا نحرص على عملها في هذه الايام الاخيرة من شهر رمضان الكريم وبكل المناسبات السعيدة استمرارا لما ورثناه من اهلنا ولادخال الفرحة لقلوب الجميع وخاصة الاطفال “.
اذن .. ورغم الظروف الصعبة .. تبقى الذكريات والموروث الشعبي سائداً .. وتحرص العوائل وان قلت خلال هذه المرحلة ، حريصة على ادامتها.. وتبقى الكليجة عنوانا للمحبة والالفة والترابط الاجتماعي.