الحادي والثلاثون من آذار من كل عام يوم خطير في تقويم نظام صدام.. ففي هذا اليوم يعمم الإنذار بين البعثيين.. ويبدو الأمر وكأنه ينذر بحرب يجري الأعداد لها على إيقاع الإيقونات الثلاثة: (يقظة.. حيطة.. حذر).. وفي ضوء ذلك يدخل جميع البعثيين والأجهزة الأمنية حالة الإنذار.. إضافة إلى ذلك جميع المنظمات المعروفة آنذاك من قبيل منظمات الطلبة والشباب.. والمرأة.. والنقابات المهنية.. وغيرها ..
وقد شاعت في ذلك الحين مقولة تهكميه تقول: (كل المواطنين شيوعيين حتى يثبتوا العكس).. بل إن البعثيين أنفسهم غير مستثنين من هذا التشكيك.. فهم مطالبون بإثبات بعثيتهم قبل أن يستحقوا لقب (نصير أو رفيق).. وفي هذا اليوم أيضا تطلق دوائر الأمن عناصرها في جميع الاتجاهات.. ليمارسوا مهمات رقابية لا يستثنى منها حتى أصحاب المحال.. والجنابر.. والمارة.. والمتسولين ..
أما التجمعات الاحتفالية سواء الإعراس أو المناسبات الاجتماعية الأخرى.. التي يصادف إقامتها في مثل هذا اليوم.. فتبدو الأكثر استهدافاً من تلك العناصر التي تحرص على التلصص واستراق السمع والبصر.. وتتمعن في التقاط الصور.. والأصوات.. والكلمات المثيرة للظن والتأويل.. تمهيداً لتحويلها الى دليل دافع يدين أصحابها المستهدفين أو المتعاطفين مع الحزب الشيوعي.. فهذا اليوم هو ذكرى تأسيس هذا الحزب.. والويل كل الويل لمن يلبس بدله جديدة.. أو يلبس ربطة عنق حمراء اللون.. أو يوزع الابتسامات.. أو الحلوى (الجكليت).. أويقدم التهاني لأية مناسبة كانت سواء لأصدقائه أو جيرانه أو زملائه في العمل.. حتى لو كان غافلاً.. فهو في قاموس النظام يرتكب الفعل مع سبق الإصرار.. وأبو زعبل ينتظره.. حتى لو كان بعثياً.. وقد يطول انتظاره في الاعتقال الى ما شاء الله ..
اعتقد الشيوعيون.. والمواطنون عامة إن قيام التحالف الجبهوي بين البعث والشيوعي (الجبهة القومية التقدمية في تموز 1973).. سينهي هذه الصورة الى الأبد.. لكن يبدو إن مشاركة بعض البعثيين لحلفائهم في احتفالات تأسيس الحزب الشيوعي.. مناسبة للبعث لمراقبة ورصد المشاركين في تلك الاحتفالات ومعرفتهم جيداً.. في انتظار أوقات أخرى للحساب !!
في مثل هذا اليوم من كل سنة يمنع سفر وإجازة البعثيين.. ويفرض عليهم التواجد المكثف والفاعل في مناطقهم.. لمراقبة كل الناس.. وكل البيوت.. وكل المحال.. والإبلاغ الفوري عن أية حالة يشك بأنها تهدف الى احتفال.. أو الفرح بأي شكل كانت بهذه المناسبة.. مئات الآلاف من التقارير الحزبية والأمنية ترفع الى الحزب وأجهزته الأمنية.. عن زيد وعمر وابتسام وزهراء وغيرهم.. احتفل.. أو ابتسم.. أو وزع الحلوى.. أو أضاء واجهة محله أو بيته!! ومن هذه الحالات فقد استدعي جاري عبد القادر ألكعبي على الفور الى المنظمة الحزبية.. وعلى الرغم من كونه بعثياً من تنظيمات (النشاط الوطني).. وهو جزء من تنظيمات حزب البعث يضم العناصر التي كانت تؤيد الشيوعية أو الشيوعيين في فترات سابقة.. ثم انضموا
الى البعث سواء بالترغيب أو الترهيب.. وقدموا تعهدات خطية بعدم العمل بأي حزب آخر حتى لو فصلوا من حزب البعث.. وإلا فالإعدام ينتظرهم!!
المهم وجهت الى عبد القادر ألكعبي ثلاثة أسئلة، هي :
1ـ لماذا أنت مجاز يوم 31 آذار من دائرتك ؟
2ـ ولماذا لبست في ذلك اليوم بدله جديدة ؟
3ـ ولماذا لبست ربطة عنق حمراء اللون؟
وبالرغم إن من إجازته لثلاث أيام بدأت منذ30 آذار.. وإن ربطة العنق التي كان يلبسها كان لونها احمر مخطط.. وليس احمر سادة.. فقد قامت الدنيا على رأس هذا الرجل.. وظل محجوزاً أسبوعاً في الفرقة الحزبية.. كان الله يحبه فلم يرسلوه الى دائرة الأمن العامة.. وأخيراً أطلق سرحه.. وبأول فرصة سنحت له.. هرب ألكعبي خارج العراق !! ولم يعد ..
ملاحظة:
قبل مدة التقيتُ عبد القادر في احد شوارع بغداد.. وذكرني بالحادثة أعلاه.. فكان لزاماً عليً كتابة هذه الذكريات في ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي العراقي !!