رغم ان الاتفاق النووي الايراني الغربي يواجه تحديات كبيرة ، وليس من المؤكد ان يتم الالتزام به وتطبيقه ، لان هناك جهات عديدة ومؤثرة تبدي معارضتها وعدائها الصريح لبنود الاتفاق . وفي المقدمة الكونكرس الامريكي نفسه الذي قد لا يتفق مع الادارة الامريكية بهذا الشأن وقد يرفض الاتفاق ، وهذا ما يخشاه الرئيس الامريكي اوباما الذي لم ينتظر ولو قليلا، انما نهض من فراشه وخرج في الصباح الباكر محذّرا الكونكرس من انه سيستخدم حق الفيتو بشأن اي قرار او قانون يعارض الاتفاق . كما ان رئيس وزراء اسرائيل بدا غاضبا واعتبر ان الغرب خاطئ في الاتفاق مع ايران وعدّه انه يوم يسمح بنشوء دولة نووية جديدة . الدول العربية الخليجية ممتعضة جدا من الاتفاق وترى ان البرنامج العسكري النووي لايران موجها ضدها قبل ان يكون موجها ضد اسرائيل ، وقد حاول اوباما طمأنة ملك السعودية ، كما ان وزير خارجيته جون كيري سيتابع محادثاته مع نظرائه الخليجيين لتبديد مخاوفهم ومحاولة الابقاء على العلاقات المتينة لبلاده مع الدول الخليجية وبالاخص المملكة السعودية وقطر .
وهناك ايضا قسم كبير من الداخل الايراني ،ومن المؤسسة الحاكمة نفسها لا ينظر ايضا الى الاتفاق بعين الرضا ، هناك من يشعر بالغيرة من هذا المكسب للحكومة الايرانية ورئيسها حسن روحاني ، وهناك من لازال يقول ان اليد التي تمتد لمصافحة ( الشيطان الاكبر ) يجب ان تقطع .
ليس واضحا بعد تفاصيل بنود الاتفاقية التي تقع في اكثر من مائة صفحة ، لكن ملخصها كما قيل يتحدد في وقف ايران لانشطتها النووية بشقها العسكري ، ورفع العقوبات الاقتصادية والسياسية عن طهران والسماح لها بالتصرف باصول اموالها المجمدة في بنوك الغرب والتي تقدر بعشرات
المليارات من الدولار الامريكي ، وعودة شحنات النفط الايرانية الى الاسواق العالمية والسماح للشركات الغربية بالاستثمار في ايران .
الاشارات الاولى عن الاتفاق تعلن عن نصر ايراني كبير، راينا بشائره في السعادة التي غمر فيها وزير خارجية الجمهورية الاسلامية الايرانية ورئيسه روحاني ، وكذلك في المكاسب السريعة التي حققتها العملة الايرانية الوطنية ( ريال ) .
وحتى نقطع الشك باليقين ،وتبرهن الايام القادمة امكانية الاتفاقية للصمود والتنفيذ ،والمكاسب التي تحققها ايران من وراء جهدها الدبلوماسي المميز، نرى ان المهم بالنسبة لنا كشعوب شرق اوسطية ان نفهم جواب استفسار يقول : لماذا اقدمت امريكا ومعها كبرى دول الغرب الى توقيع هذه الاتفاقية مع ايران ، وماذا يعني ذلك وما هي اثارها الاقليمية .
بدأ نقول ان الحرب السنية الشيعية ،وان اردنا تلطيفه ،نقول ان الصراع السني الشيعي في منطقتنا حقيقة قائمة ، وان الثورة الايرانية التي افضت الى قيام الجمهورية الاسلامية وشعارات تصدير الثورة ، والهلع الذي اصاب الدول الخليجية والحكم السني في العراق حينذاك ، والخوف من سقوط العروش المتهالكة ، اجج الصراع الشيعي السني وافضى الى حرب عربية – ايرانية ، عرفت بالحرب العراقية الايرانية واستمرت لثمانية اعوام ، برهنت ايران خلالها ، رغم الدعم الغربي اللامحدود للمعسكر السني ، نجاحها في التمسك ببرنامجها السياسي . وعاد منها نظام صدام حسين ، رأس رمح العرب السنة في محاربة الشيعة ، خائبا ومقهورا .
ونظرا الى ان ايران ، وكلما اراد الغرب الحاق الهزيمة بنظامها ، شددّت من لهجتها الثورية وتحدّت الغرب وهددّت اسرائيل بالزوال . وبوتيرة سريعة ضاعفت امريكا والدول الغربية من دعمها لدول الخليج السنية وحركات الاخوان المسلمين واحتضنت دعاة السنة المتطرفين على اراضيها واقامت لهم مراكز ارشاد وافتاء . وكان الربيع العربي ووصول الحركات الاسلامية السنية الى الحكم في مصر وتونس احدى ثمار الدعم الغربي للاسلام السياسي السني في مواجهة ايران الشيعية .
فما الذي حصل حتى يتراجع الغرب عن سياسته الشرق اوسطية السابقة ، ونظرته الى الصراع العربي السني – والايراني الشيعي ؟ لن ندخل التفاصيل وسنكتفي بتوضيح الخطوط العريضة وحسب . ونقول :
بقدر ما كان الغرب يرغب في وجود معسكر سني معتدل تقوده السعودية وتركيا وقطرلكبح جماح الشيعة ، المتطرفون برؤية غربية ، وبزعامة ايران، المتهمة لدى الغرب بدعم الارهاب .ازداد تطرّف السنة وانجبت دور الافتاء الخليجية الرسمية ارهابيين مثل اسامة بن لادن وتنظيمه ( القاعدة ) الارهابي الذي ارتكب جريمة 11 سبتمبر التي لا ينساها الامريكييون ابدا، ومن ثم انجبت تنظيمات مرعبة تتخذ من الارهاب والعنف ديدنا لها مثل تنظيم داعش والنصرة وغيرها ، واختصرت ابداعات الفكر السلفي السعودي على شرعنة القتل والسبي وجهاد النكاح واسترقاق البشر ومعاداة خلق الله جميعا بتكفيرهم والادعاء بانهم اهل النار . وما حدث في تونس اخيرا من استهداف الغربيين ومقتل عشرة بريطانيين على يد داعش ، اعادت صورة 11 سبتمبر ومترو لندن وتفجيرات مدريد الى ذاكرة الاوربيين والامريكيين.
ما حدث يوم الرابع عشر من يوليو 2015 ، تفسّره جريدة ( الاندبندت البريطانية ) بالقول : تعبت امريكا من حكام الخليج وانظمتهم الولّودة للارهاب والبطش وتنظيمات عطشى للدم ورجال ونساء من كل فج ياتون وهمّهم ان يكونوا ناكحين وناكحات .
ما نفهم من الاندبندت وغيرها من التعليقات الغربية ، ان الولايات المتحدة والدول الغربية عامة سئمت عمل هذه التنظيمات السنية والفتاوي الماجنة التي تصدر عن بعض ( مشايخ الخليج ) وعن سياسات حكام الخليج الرامية الى غضّ النظر عن اي شئ لا يهدد بقائهم في السلطة . ويئست هذه الدول من نتائج الربيع العربي بعد عدم تمكن الاخوان من البقاء في السلطة في مصر لاكثر من عام ، وانها باتت تفضل حكم بشار الاسد على حكم النصرة او داعش . وان المفهوم الغربي او التفسير الغربي لنشوء تنظيمات ارهابية سنية لم يعد يفصل بينها وبين الكثير من السنة الذين
يحتضنون ويدعمون هذه التنظيمات ويروجون لها . او على الاقل يتقبلونها برحب وسعة .
الاهم من كل ذلك تشير الاتفاقية النووية ان الجمهورية الاسلامية في ايران اقل خطرا على مصالح الغرب وعلى مواطني الغرب من تنظيمات متطرفة سنية تخرج من رحم المؤسسات السنية الدينية في السعودية ودول الخليج الاخرى . وان ايران مرشحة ان تسترد دورها السابق ، والذي كانت تلعبه في سبعينات القرن الماضي .
ما يخصنا في اقليم كردستان وفي العراق ايضا ، وفي حالة سير الاتفاقية بانسيابية ، علينا ان نستوعب ان الدور الايراني سيتعاظم على حساب الدور التركي والخليجي ، وان هذه الدول الاخيرة ، وحتى في حالة رغبتها ، لن تتمكن من دعم كيان كردي مستقل حاليا او في المستقبل المنظور، وان ايران ستلعب ادوارا حاسمة ويجب رسم العلاقات معها من جديد وكسب صداقتها . كما ان التفاهم وحل المشاكل بالحوار مع حكومة بغداد الشيعية اصبح اكثر لزاما .
داخليا في كردستان ، نعتقد ان ازمة رئاسة الاقليم قد تتعقد اكثر ، قد لا تبدي الاطراف الكردستانية التي يقال ان للجمهورية الاسلامية نفوذ عليها ، المرونة الكافية للتوصل الى وفاق وطني باختيار رئيس للاقليم . وبالمقابل لن يكون سهلا لوّي ذراع الحزب الديمقراطي الكردستاني وفرض الامور عليه .