15 نوفمبر، 2024 9:03 ص
Search
Close this search box.

الأمام علي رجل المبادئ والقيم الانسانية

الأمام علي رجل المبادئ والقيم الانسانية

عندما نتحدث عن الأمام علي عليه السلام لابد أن نتحدث عن العدالة التي لازمت شخصيته والقيم الأخلاقية
والقواعد الإنسانية النبيلة التي أخذها الإمام عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو الذي تولى بنفسه تربية الأمام عليّ (ع ) بعد ولادته وذلك عندما أتت فاطمة بنت أسد بوليدها المبارك الى رسول اللّه (ص ) فلقيت منه حباً شديداً له حتى أنه قال لها: «إجعلي مـهـده بـقرب فراشي » وكان (ص) يطهّرعليّاً أثناء غسله ويحرك مهده عند نومه ويناغيه في يقظته ويتأمّله ويقول : «هذا أخي وولييّ وناصري وصفيّي وذخري وكهفي وصهري ووصيّي وزوج كريمتي وأميني على وصيتي وخليفتي»
ولقد كانت الغاية من هذه العناية النبوية هي توفيرالتربية الصالحة لعليّ(ع) وأن لا يكون لأحد غير النبي (ص ) دورفي ‌تكوين شخصيته الكريمة وقد ذكر الإمام علي (ع ) ما أسداه الرسول الكريم اليه وما قام به تجاهه في تلكم ‌الفترة إذ قال : «…وقد عـلـمـتم موضعي من رسول اللّه (ص ) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة وضعني في حجره وأنا وليد يضمّني إلى صدره ويكنفني في فراشه ويمسّني ‌جسده  و يشمّني عُرفه وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه واستطاع بهذه المرافقة الكاملة أن يقتطف من ثمار أخلاقه العالية وسجاياه ‌النبيلة الشيء الكثير وأن يصل تحت رعاية النبيّ(ص) وعنايته وتوجيهه وقيادته  إلى ‌أعلى ذروة من ذرى الكمال الروحي  وهذا الإمام أمير المؤمنين (ع ) يشير إلى تلك الأيام القيّمة والرعاية ‌النبوية المباركة المستمرّة إذ يقول : «… ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمّه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني ‌بالاقتداء به».
 في اليوم الذي عزم فيه الرسول الكريم على الهجرة إلى يثرب اجتمع سادات قريش بدار الندوة واتفقوا على قتله فجمعوا من كل قبيلة شاب قوي وأمروهم بانتظاره أمام باب بيته ليضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل.جاء المَلَك جبريل إلى النبي(ص) وحذره من تآمر القريشيين لقتله فطلب الرسول الكريم(ص)  من الأمام علي عليه السلام أن يبيت في فراشه بدلا منه ويتغطى ببرده الأخضر ليظن الناس أن النائم هو النبي(ص) وبهذا غطي على هجرة النبي وأحبط مؤامرة أهل قريش وفي بعض الروايات انه سأل اصحابه من يبيت على فراشه فلم يجبه الاعلي ويعتبرالأمام علي (عليه السلام) أول فدائي في الإسلام بموقفه في تلك الليلة التي عرفت فيما بعد بليلة المبيت ونزلة الآية القرآنية الكريمة في شأن وحق الأمام علي عليه السلام حين نام في فراش الرسول (ص) بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ﴾  كان الحبيب المصطفى قد أمره أن يؤدي الأمانات إلى أهلها ففعل حيث كان أهل قريش يضعون أماناتهم عند الرسول الامين (ص). وكانوا في مكة يعلمون أن عليا يتبع محمدا أينما ذهب لذا فإن بقاءه في مكة بمثابة تمويه لجعل الناس يشكون في هجرة النبي لاعتقادهم بأنه لو هاجر لأخذ عليا معه. بقي علي في مكة ثلاثة أيام حتى وصلته رسالة النبي محمد(ص) عبر رسوله أبي واقد الليثي يأمره فيها بالهجرة للمدينة
 خرج الأمام علي (ع) للهجرة إلى المدينة وهو في الثانية والعشرين من عمره وحسب رواية ابن الأثير في أسد الغابة فقد خرج علي وحيدا يمشي الليل ويكمن النهار بينما تذكر مصادر أخرى أنه اصطحب ركب من النساء هم أمه فاطمة بنت أسد وفاطمة بنت محمد وفاطمة بنت الزبير وزاد البعض فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب أو ما سمي بركب الفواطم. ولم تمض غير أيام قليلة حتى وصل علي إلى قباء حيث انتظره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بها ورفض الرحيل قبل أن يصل الأمام علي(ع) الذي كان قد أنهكه السفر وتورمت قدماه حتى نزف منهما الدم وبعد وصوله بيومين نزل الأمام علي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة حين وصل الرسول الكريم إلى المدينة قام بما عرف بمؤاخاة المهاجرين والأنصار لكنه آخى بين علي وبين نفسه وقال له: «أنت أخي في الدنيا والآخرة»
شارك الأمام علي(ع)الى جنب النبي(ص) جميع المعارك معه إلا غزوة تبوك خلفه فيها على المدينة بعده وقال له‏:‏ أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وسلم له الراية في الكثير من المعارك  عرف علي بن أبي طالب ببراعته وقوته في القتال وقد تجلى هذا في غزوات الرسول ففي غزوة بدر قتل الأمام علي(ع) نصف المشركين الذين قتلوا في بدر. وغزوة أحد قتل حملة اللواء من المشركين واحدا بعد الآخر و كانوا تسعة رجال ثمانية من بني عبد الدار و تاسعهم عبدهم مما أربك العدو و اضطره للفرار وفي غزوة الأحزاب قتل عمرو بن ود العامري أحد فرسان العرب وفي غزوة خيبر هزم فارس اليهود مرحب وبعد أن عجز جيش المسلمين مرتين عن اقتحام حصن اليهود قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ويفتح عليه» فأعطاها لعلي ليقود الجيش وفتح الحصن وتحقق النصر للمسلمين. وقيل إنه اقتحم حصن خيبر متخذاّ الباب درعا له لشدة قوته في القتال. وكان ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة حنين . وكان لعلي سيف شهير أعطاه له النبي(ص) في غزوة أحد عرف باسم ذو الفقار  كما أهداه درعا عرفت بالحطمية ويقال أنها سميت بهذا الاسم لكثرة السيوف التي تحطمت عليها.
ومن المشاكل الذي يعانيه مجتمعنا اليوم من مرض المحسوبية التي تؤدي الى وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب وهذا ماحاربه أمير المؤمنين
في حكمه اذ كتب عليه السلام الى عامله مصقلة الشيباني متوعداً إياه في شيء بلغه عنه: «بلغني عنك أمراً ان كنت فعلته فقد اسخطت إلهك وعصيت امامك انك تقسم فيء المسلمين الذي حازته رماحهم وخيولهم و أريقت عليه دماؤهم فيمن اعتامك من اعراب قومك.. ألا وان حق من قبلك وقبلنا من المسلمين في قسمة هذا الفيء سواء يردون عندي عليه ويصدرون عنه».
حارب الامام علي (ع) الطبقية والحرمان والفقروهو القائل( لو كان الفقر رجلا لقتلته) وكان (ع) ملاذ للفقراء والأيتام تعامله الحنون والعطوف معهم بينما كان يمشي في شوارع الكوفة ليلا يتفقد الفقراء والايتام فسمع صوت أطفال يبكون فاقترب من الدار وطرق الباب ففتحت أمهم الباب فسالها الامام عن سبب بكاء اطفالها فاجابت انهم جياع ويبكون من الجوع
فقال الامام (عليه السلام): ولم هم جياع؟
فقالت: لاننا لا نملك الطعام
تعجب الامام عليه السلام وسألها عن صاحب الدار فأجابت إن أبوهم قتل في المعركة ثم لاحظ الأمام ان هناك قدرا يغلي فسالها عنه فاجابت انني وضعت ماء في القدر وأنا أحاول ان أسلي الاطفال حتى ينسوا الجوع ويناموا … فقال لها انتظريني أمة الله فأسرع الأمام الى داره وحمل جرابا فيه الطحين والسمن والتمر
فقال له قنبر : سيدي دعني أحملها عنك
فاجاب الأمام (عليه السلام): أنا اولى بحمله منك
وحملها على ظهره وتوجه الى تلك الدار … طرق الباب ففتحت له الأرملة الباب فقال لها : امة الله أما… ان تطبخي الطعام وانا اسلي الاطفال أو ان اطبخ أنا الطعام فقالت أن كان لابد فاوقد التنور فكان الامام عليه السلام يوقد النار في التنور ويقرب خده الشريف الى النار قائلا : يا علي ذق .. كيف يبيت الايتام جياعا ذق يا علي … فجاءت المرأة كي تخبز الخبز فتوجه الامام الى الاطفال واصبح يلاعبهم ويحملهم على ظهره وهم يضحكون فرحين … يقول قنبر تعجبت فسالت نفسي اهذا قالع باب خيبر قاتل مرحب ؟؟!! ولما اكمت المرأة الطعام كان امير المؤمنين يضع الطعام في فم الايتام ويقول ( كلوا وسالوا الله ان يغفر لعلي )
روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطب في آخر جمعة من شهر شعبان وتحدث عن شهر رمضان وشرفه وثواب الطاعة فيه فقام إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟
فقال: يا أبا الحسن، أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عز وجل، ثم بكى (صلى الله عليه وآله).
قال له أمير المؤمنين: يا رسول الله ما يبكيك؟
قال: يا علي أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر كأني بك وأنت تصلي لربك، وقد انبعث أشقى الأولين والآخرين شقيق عاقر ناقة صالح فيضربك ضربة على مفرق رأسك، ويشقه نصفين ويخضّب لحيتك من دم رأسك
فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني؟
فقال (صلى الله عليه وآله): في سلامة دينك ثم قال (صلى الله عليه وآله): يا علي من قتلك فقد قتلني، ومن أبغضك فقد أبغضني ومن سبّك فقد سبّني، لأنك مني كنفسي، وروحك من روحي وطينتك من طينتي، وإن الله عز وجل خلقني وإياك واصطفاني وإياك واختارني للنبوة واختارك للإمامة، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي، يا علي أنت وصيي وأبو ولدي وزوج ابنتي وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد موتي، أمرك أمري، ونهيك نهيي، أقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية انك لحجة الله على خلقه وأمينه.
 كانت وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) قبيل الفجر من ليلة الجمعة ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة قتيلا بالسيف  قتله ابن ملجم المرادي (لعنه الله) في مسجد الكوفة وقد خرج (عليه السلام) يوقظ الناس لصلاة الصبح ليلة تسع عشرة من شهر رمضان  وقد كان ارتصده من أول الليل لذلك  فلما مر به في المسجد وهو مستخف بأمره  مماكر بإظهار النوم في جملة النيام  ثار إليه فضربه على أم رأسه بالسيف وكان مسموما  فمكث يوم تسعة عشر وليلة عشرين ويومها وليلة إحدى وعشرين إلى نحو الثلث الأول من الليل  ثم قضى نحبه (عليه السلام) شهيدا ولقي ربه تعالى .

أحدث المقالات

أحدث المقالات