ترتكز الشريعة الإسلامية على مقومات وأسس مهمة أضافت للشريعة بعداً أخلاقياً واجتماعياً وإنسانياً وربما لا تحتوي الشرائع الأخرى على هذه المنظومة من الأعمال المستحبة, باعتبار إن الدين الإسلامي هو خاتم الأديان وان أحكامه مستمرة إلى ما شاء الله تعالى, وهذه من النعم الإلهية على البشرية, ولكن الإنسان أحيانا يغفل عنها أو يتجاهلها أو يتعمد مخالفتها فتنعكس بسبب أفعاله السيئة الصورة المشوهة عن الإسلام وهذا من اخطر ما تواجهه الشريعة الإسلامية اليوم ولا يمكن للشريعة ان تدفع تلك الإساءات عنها ما لم نصحح نحن أعمالنا وأفعالنا وسلوكياتنا مع ربنا ومع الناس.
ولو نظرنا إلى الحكم الشرعي الصادر عن الله تعالى فإنه يقع تحت احد هذه الأقسام الخمسة وهي الحلال والحرام والمستحب والمكروه والمباح وهذه الأقسام تمثل العصب الرئيسي لديمومة الشريعة الإسلامية وأي خلل يقع في واحدها منها أو نفيها فان ذلك سوف يؤدي إلى انهيار تلك الشريعة أو تحجرها واعتكافها عن مواكبة مسيرة حياة الإنسان وتكون هذه الشريعة في صفحات التاريخ.
فلو تخلى الإنسان مثلاً عن الواجبات وارتكبت المحرمات فانه سوف ينسلخ عن المفاهيم والقيم الدينية والإنسانية وسوف يتحول إلى عنصر فساد وتخريب ينخر في جميع مجالات الحياة ولا تبقى قيمة للنوع الإنساني في الوجود وهذا مما لا شك فيه, فلو استباح الإنسان لنفسه القتل والسرقة والسفاح واغتاب النساء والاعتداء على الحرمات وحرق ونحب الممتلكات العامة والخاصة وغيرها من الموبقات التي حرمها الله تعالى فأي قيمة سوف يتمتع بها الإنسان بل انه سوف يكون أهون من الحيوان, بل وترتفع قيمت الحيوان اتجاهه وتصبح السيادة للنوع الحيواني بدل النوع الإنساني.
ولو ترك الإنسان عمل المباح فانه سوف يقع في حرج شديد لا يمكن له مع ذلك السير في الحياة الاجتماعية وسوف يجد نفسه أمام خطاب إلزامي وهو الوجوب أو إرشادي لابد إن يقوم به وان لم يفعل فانه إما إن يعاقب أو يبعد عن ساحة الرحمة والقرب الإلهي وهذا الأمر فيه عسر وحرج على العباد وتقييد لحركة الإنسان ومعه سوف يكون الإنسان عاجز عن الحركة والاختيار وفاقد للإرادة.
ولو تكلمنا عن النوع الأخر من الخطاب الإلهي وهو عمل المستحب أو ترك المكروه فانه مع كونه خطاب الهي للبشر ولكنه غير ملزم لهم بالفعل فان الله تعالى لو أمر عبده بفعل مستحب فان للعبد إن يتركه ولا إثم عليه ولو فعل المكروه الذي لا يريده الله سبحانه ولكن لم يحرمه فأيضاً لا إثم عليه وبالتالي فان للإنسان الخيار والحرية في الفعل والترك.
ولكنه مع ذلك فان العمل المستحب في الدين يمثل روح الشريعة الإسلامية التي لا يمكن تصورها كشريعة سمحا إلا من خلال الأعمال المستحبة في قسمي العبادات والتكاليف الفردية للعبد وفي المعاملات والشؤون الأسرية والاجتماعية والعلاقات العامة للناس, فان اغلب تلك الأعمال تعتمد في صورتها الشروط والآداب والأفعال المستحبة الغير مُلزمة للعبد القيام بها اتجاه الطرف الآخر ولكنها لها الدور الكبير في عكس الصورة الناصعة للإسلام ولو نظرنا إلى بعض الأعمال العبادية للفرد أو الاجتماعية من دون الالتزام بالأمور المستحبة فإننا سوف نتصور أحكام جافة وخالية من القيم والأخلاق الإنسانية النبيلة التي طُبعت النفس على احترامها وتقديسها.
فلو فرضنا مثلا إن الإنسان يصلي وهو يبتسم مع كونه خالع لملابسه وكلنه فقط ساتر للعورة أو ان الإنسان مضطجع أثناء خطبة الإمام في صلاة الجمعة أو العيد أو ان الخطيب في صلاة الجمعة يكتفي فقط بكلمتين أو ثلاث وهو المقدار الواجب في الخطبة أو يترك الإنسان الكثير من الآداب والشروط المستحبة في المجالات العبادية, أو إن الزوجة لا تنظف ولا تغسل بيتها ولا تعمل الطعام لزوجها ولا تنجب له الأطفال لأنه ليس شرط في الزوج ولا تتجمل له ولا تضحك ولا تتكلم معه وفي المقابل يقوم الزوج أيضاً بترك المبيت عند زوجته متعمدا أيام متعددة ولا يجلس معها ولا يدعها ان تذهب إلى المناسبات العامة أو الخاصة, أو ان لا يجلس ولا يتكلم الفرد مع والده وأمه إلا بحدود تسقيط الواجب وكذلك مع أرحامه وأقربائه وجيرانه, وان لا يقدم الإنسان النصيحة للأخر ولا يقدم له المساعدة ولا يساهم في مساعدة الناس ولا يدفع الصدقات ولا يصلي في المسجد ولا يحضر جنازة احد ولا يعزي جاره ولا يرفع ألاذا عن طريق المسلمين ولا ولا إلى ما لا نهاية.
فان الفرد فسوف يجد نفسه في غابة وليس في مجتمع وأمام إنسان جاف وغليظ وليس أمام إنسان قد كرمه الله تعالى وأودع في داخله كل الصفات الكريمة والنبيلة والإخلاص والشجاعة وحب الخير, وحينا لا يمكن لأي إنسان ان يعيش تحت تلك القوانين والأوامر الإلهية وسوف ينفر منها باحثاً عن البديل المناسب له والذي يحفظ له العيش الكريم.
ولذلك فإننا نجد ان الشريعة الإسلامية احتوت على شروط والتزامات مستحبة أكثر من الشروط الواجبة على العبد وما ذلك إلا لتخفيف كاهل الإنسان عن تحمل تلك الأفعال التي يقوم بها وجعلتها الشريعة في القسم الثاني وهو الاستحباب وعدم الإلزام لا لعدم أهميتها بل لرأفة الحق سبحانه وتعالى في عباده وعلمه بان الإنسان مهما حاول فانه سوف لا يستطيع ان يحافظ على كل تلك الأوامر ويؤديها بالشكل الكامل وإنها لو كانت واجبة فسوف تعرضه إلى الحساب والعقاب أمام الله تعالى فلذلك جعلها الله سبحانه وتعالى بدرجة دون الإلزام, ولكن يجب علينا ان لا نضيعها ولا نترك العمل بها قدر المستطاع
فهذه هي أهمية الأعمال المستحبة وهذا دورها في حفظ روح الشريعة الإسلامية فلا يحقرنه احد أي عمل مستحب فيه منفه لنفسه ولمجتمعه ودينه.