صمتٌ مفاجئ أعقب الضجة السياسية والإعلامية التي أُثيرت حول وثائق ويكيليكس وعلاقة شخصيات عراقية بتلك الوثائق التي سرّبها الموقع العالمي من البريد الدبلوماسي لوزارة الخارجية السعودية.
حيث هدأت هذه الضجة بصورة مفاجئة في حين نأت وسائل إعلام عراقية مهمة بنفسها عن هذا الموضوع وهو ما أثار علامات استفهام عديدة حول الأسباب وراء هذا الهدوء.
يقول الناشط السياسي علي المحنىّ “هذا الهدوء المفاجئ يؤكد أن المسألة سيتم تسويتها في الأروقة السياسية بعيداً عن القضاء والشعب، ويجب على الحكومة ومجلس النواب أن يكونا أكثر جرأة في تقديم المتورطين بعلاقات مشبوهة مع السعودية وفق ما كشفته تلك الوثائق”.
ارتباط أيٌّ من المسؤولين أو السياسيين أو غيرهم من الشخصيات العامة في العراق باسم المملكة العربية السعودية يثير حوله الكثير من علامات الاستفهام لاعتبارات تتعلق بالعلاقة الدبلوماسية غير المستقرة بين بغداد والرياض فضلاً عن تحسس العراقيين من الدور السعودي في البلاد فالكثيرون ينظرون إلى المملكة بأنها الممّول الرئيس للإرهاب.
بدأت الضجة الإعلامية الشهر الماضي عندما نشر موقع ويكيليكس آلاف الوثائق المسرَّبة من البريد الدبلوماسي بين وزارة الخارجية السعودية وبين عدد من السفارات التابعة لها ،حيث ورد ذكر عدد كبير من أسماء شخصيات عراقية تقول الوثائق إنهم على علاقة بالجانب السعودي وتلقوا مبالغ مالية كبيرة لقاء اتخاذ بعض الإجراءات والمواقف داخل العراق.
مطالبات كثيرة انطلقت للتأكد من الوثائق ومن صحة ما ورد ذكره فيها لمحاسبة الشخصيات العراقية التي تحدثت عنها الوثائق وصلت حد المطالبة بإعدام من يثبت تورطه بالتخابر أو الخيانة العظمى.
“تورُّط بعض المسؤولين كما ورد في وثائق ويكليكس نواباً و حكوميين في قضايا تمس الأمن القومي الوطني وسيادة الوطن ومجاملة دول معادية ضالعة بدعم الارهاب خيانة عظمى” هذه التغريدة كتبها وزير النقل العراقي باقر الزبيدي وهي واحدة من عشرات التغريدات التي وردت على مواقع التواصل الاجتماعي للسياسيين العراقيين.
عقوبة الخيانة العظمى في القانون العراقي هي الإعدام لمن يثبت تورطه بها، وهو أمر طالب به بعض السياسيين بشكا صريح، فيما طالب آخرون بمنعهم من العمل السياسي على الأقل.
عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد سعد مطلبي قال لـ”نقاش” إنه “في مصر تمت محاكمة محمد مرسي بسبب مكالمة هاتفية واحدة بإحدى الشخصيات الإرهابية المطلوبة فكانت نهايته فيها وحكم بالإعدام، والمفروض أن يتم إعدام المتورطين مع السعودية أو أن يُمنعوا على الأقل من ممارسة العمل السياسي سواء في دخول الانتخابات أو تشكيل الأحزاب”.
جميع الآراء السابقة والهجوم على المتورطين استمر أياماً قليلة لكن الضجة التي أحدثتها الوثائق المسرَّبة لاسيما بعدما اندلع جدل حول إمكانية الاعتماد عليها قانونياً لاتهام المتورطين هدأت بشكل مفاجئ.
الأمور تغيّرت بإعلان الحكومة العراقية ومجلس النواب تشكيل لجنتين أولهما حكومية ممثلة بالأمانة العامة لمجلس الوزراء وجهاز المخابرات الوطني العراقي، والثانية نيابية من أعضاء مجلس النواب إذ ستحقق اللجنتان في الوثائق وبعدها ستحال النتائج إلى السلطة القضائية في العراق.
ويقول النائب خالد الأسدي “هنالك ضرورة في أن تتخذ الحكومة والمؤسسات الدستورية في البلاد إجراءات لمنع مثل هذه الحالات المسيئة للعراق والعراقيين وبالقوى السياسية وأيضا بحرمة الدم العراقي”.
وبانتظار استكمال اللجنتين تحقيقاتهما في الموضوع ،أنهت السلطة القضائية الجدل مبكراً بإعلان إن هذه الوثائق لا تمثل دليلاً قانونياً للاتهام ولا يمكن الاستناد عليها لاتخاذ الشكل القانوني لاكتمال الدعوى القضائية.
ويقول المتحدث الرسمي للسلطة القضائية القاضي عبد الستار البيرقدار إن “القانون العراقي لا يمكنه اعتماد ما نشر من وثائق لموقع ويكيليكس تتعلق بشخصيات سياسية تشغل مناصب تنفيذية كدليل اتهام صريح أو وثيقة معتد بها أو قرينة، لأنها نسخ تم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي وليست وثائق أصلية وبعضها مزوّرة”.
ويضيف “التقنيات الألكترونية الحديثة والبرامجيات المتطّورة يمكنها أن تتلاعب بالمستمسكات أو الوثائق ما يتطّلب الدقة في اعتمادها وعلى هذا الأساس فإن جميع الوثائق المستنسخة التي تداولتها هذه المواقع لا تعد حجة دامغة ترتقي لإدانة اي متهم بها”.
ووفقا للبيرقدار فإن المحاكم العراقية يمكنها أن تنظر في قضية وثائق ويكيليكس إذا تم تقديم نسخ أصلية تدين أشخاصاً أو جهات بشكل دامغ وإذا اعتمدت الطرق الرسمية في رفع الدعاوى القضائية وعُرضت على محاكم التحقيق والادعاء العام لتأخذ إطارها القانوني المعمول به.
ويبدو أن هذا الحكم المسبق من السلطة القضائية كان متوقعاً لدى الكثيرين من المتابعين في العراق من الذين أشاروا إلى وجود ضغوط سياسية ستحول دون محاكمة أي من الواردة أسماؤهم في وثائق ويكيليكس.
فضلاً عن ذلك فإن المتابعين يدركون إن صمت وسائل إعلام كبيرة في بغداد عن موضوع الوثائق رغم كونها من وسائل الإعلام التي تنادي بالكشف عن الفاسدين والمتآمرين وغيرهم يعني إن الموضوع قد تم حسمه في الأروقة السياسية.
ويقول الكاتب والصحفي كامل الصفار “عندما تشتعل الساحة السياسية والشعبية بموضوع كبير مثل وثائق ويكيليكس وترى قنوات كانت تضج يومياً بمواضيع تتعلق بالفساد وممارسات السياسيين غير المنضبطين وهي تنأى بنفسها عن الموضوع فهذا يعني إن هناك محاباة واتفاقات سياسية لكون هذه القنوات مرتبطة بجهات سياسية معروفة”.
الصمت المفاجئ لضجة ويكيليكس قد تمثل إعلاناً سابقاً لنتائج اللجان التحقيقية في هذه الوثائق لتنتهي معها الضجة الكبيرة التي أحدثتها في الأيام الماضية.