الحزب الشيوعي اليوناني لم يشترك في حكومة اليسار ” سيريزا ” رغم طلب رئيسه سيبراس شخصيا منه ذلك لكنه رفض وعندما أعلنت الحكومة اليونانية عن اجراء الاستفتاء الأحد القادم طلب الحزب الشيوعي من سيريزا عدم اجرائه. مطالب الحزب منذ البداية كانت عدم الاستجابة لضغوط الثرويكا والامتناع كليا عن دفع الديون والانسحاب من منطقة اليورو والعودة الى الدراهما بكونه الطريق لاستعادة سيادة الشعب اليوناني على شئونه السياسية والاقتصادية التي فقدها بانضمامه للاتحاد الأوربي والعملة الموحدة. الآن لا معنى للحديث عن ذلك فيوم الأثنين السادس من الشهر الحالي ستتضح معالم طريق اليونان الى المستقبل ، فاما رفض برنامج التقشف بالتصويت بـ (لا) لشروط الثرويكا وأما التصويت بـ ( نعم ) وبذلك يخذل الشعب اليوناني بينما تنتصر الطغمة المالية اليونانية وسادتها في الثرويكا ورأس المال العالمي ويسقط سيريزا وائتلافه الحاكم وتجربة اليسار اليوناني التي علق عليها كل اليسار العالمي الآمال.
الحزب الشيوعي اليوناني لم يكن مقتنعا منذ البداية بقدرة سيريزا على الثبات على مواقفه من الثرويكا ومسألة الديون التي رهنت موارد اليونان لدى رأس المال العالمي لأمد غير معلوم. ومما عزز موقف الحزب الشيوعي اليوناني قرار سيريزا بدفع بعض أقسط تلك الديون في الفترة الماضية وبالذهاب الى الاستفتاء على قبول أو رفض برنامج الثرويكا حيث اعتبره الحزب مغامرة خطرة قد تعود بالزمرة اليمينية السابقة الى الحكم من جديد ومباشرتها بتجويع الطبقة العاملة وبقية كادحي الشعب من كبار السن والمعاقين والمتقاعدين. وكان من رأي الحزب أن يحث سيريزا السير ببرنامجه البديل الذي يطلق يده لتنفيذ الاصلاحات الاقتصادية بما فيها الخروج من نظام العملة الموحدة.
ولا يجب أن ننسى أو نتجاهل قوة الاعلام المضاد الموالي لتلك الطغم المالية اليمينية والرجعية الذي كثف من نشاطاته المروجة للتصويت بنعم وتشويه صورة وبرنامج السلطة الحاكمة الحالية واليسار الشيوعي عامة.. لكن الأمل يظل معقودا على النشاط الجماهيري داخل اليونان الذي وقف بكل قوة الى جانب مواقف حكومته ووفر لها الدعم المعنوي الذي تحتاجه. كما حظيت الحكومة اليونانية الشابة بدعم جماهيري أوربي استمر لأيام مع بداية الأزمة التي أفتعلتها سلطات الاتحاد الأوربي المعادية لمصالح كادحي شعوب أوربا. واذا ما صوت اليونانيون بـ (لا ) فمن المحتمل ان يطاح بالسلطة الحالية بانقلاب بمساعدة السي آي أيه تحت مبررات حفظ الاستقرار والأمن يدعى بعده لانتخابات برلمانية جديدة تضمن بها عدم عودة اليسار الى الحكم مرة أخرى.
وكانت صحيفة الاندبيندينت اللندنية المستقلة *، قد نشرت آراء لمجموعة من الاقتصاديين المرموقين على النطاق العالمي حول نتيجة التصويت القادم نعم أو لا والنتائج المترتبة عليها. فكان رأي البروفيسور جوزيف ستيجليتز المدير السابق للبنك الدولي والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد أن التصويت بـ (لا) سيفتح الباب لامكانية أن تتمكن اليونان من أخذ زمام مصيرها بيدها وتخرج البلاد من قبضة المستغلين. بينما يرى البروفيسور بول كروكمان وهو ايضا من الحائزين على جائزة نوبل في الاقتصاد فيقول انني سأصوت بـ ( لا ) لسببين :
أولهما – لأن الدائنين يطالبون بالاستمرار في تطبيق ذات السياسة المتبعة منذ خمسة سنوات الى مالانهاية ولا أمل يرتجى منها. وثانيا – ان الدائنين بتوجيههم انذارا الى رئيس الوزراء اليوناني يعرفون مقدما انه لا يستطيع تنفيذه وانه يعني بنفس الوقت تنحيته عن السلطة وهو أمر غير مقبول. وينضم اليهم البروفيسور توماس بيكيتي من مدرسة باريس للاقتصاد الذي يعتقد ان التصويت بـ (لا) هو الاجابة الصحيحة على السؤال الذي وجه لليونانيين لأن الخطة المطروحة عليهم خطة سيئة جدا.فيما يرى البروفيسور جيفري زاخس انه سيصوت بـ (لا) للدائنين وانه يجب عليهم اسقاط الجزء الأكبر من الدين اليوناني.
بينما بختلف البروفيسور كريستوفر بيسارديس عن الاساتذة السابقين فيما ذهبوا اليه فيرى ان ( نعم ) هي الخيار الأفضل وان الطريق الى الأمام هو الاصلاح من الداخل وليس الهرب من المشكلة. الاقتصادي البريطاني فيكي برايس تعتقد انه ما كان على الاستفتاء ان يجري في أي حال من الأحوال ، لكني سأصوت بـ (نعم). لقد كان هناك الكثير من اجراءات التقشف ، لكن التصويت بـ (لا) سيعمل على الدفع بالأمور الى الأسوء ، لأن البنوك ستتعرض للافلاس. بنفس الوقت ان الخروج من اليورو سيقود الى تردي الاقتصاد اليوناني بنفس الوقت الذي ترتفع فيه نسب التضخم مع انخفاض قيمة الدراهما عند اصدارها فتهبط قوتها الشرائية.
لكن ما مصادر ديون اليونان وما حجمها بحسب تقييمات المتخصصين الماليين والاقتصاديين وهل لليونان المقدرة على دفعها في أي وقت في المستقبل المنظور أو لا يمكنها دفعها ابدا. عندما استلم حزب باسوك الحكومة اليونانية عام 2010كشف الارقام الحقيقية للدين التي هي من الضخامة بحيث ليس بمقدور اليونان دفعها أبدا. وقد أكد تلك الحقيقة صندوق النقد الدولي أيضا الذي اعترف موظفوه انها أكبر من قدرة اليونان على دفعها وانه ينبغي الغائها. وباتفاق بين البنك المركزي الأوربي وصندوق النقد الدولي وافق الأخير على دفع 100 بليون يورو الى حملة السندات المالية اليونانية ( غالبيتهم بنوك فرنسية وألمانية) وبذلك تكون اليونان مدينة لصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوربي وليس لحملة سنداتها.
وكنتيجة لذلك ومع معرفة البنك المركزي الأوربي بعدم قدرة اليونان على دفع ديونها طالبها البنك ببيع جزرا يونانية وموانئ بحرية وموارد طبيعية لتسديد ديونها وفي حالة عدم رغبة اليونان بيع تلك الممتلكات خيروه ببيع كل ماهو قطاعا عاما اضافة الى تنفيذ اجراءات تقشف جديدة. المشترون لتلك الممتلكات هم مالكوا البنك المركزي الأوربي من شركات ألمانية وفرنسية وغيرها وقد بيعت بالفعل بعض تلك الموانئ والممتلكات من قبل الحكومات اليمينية السابقة بأثمان بخسة. برغم ذلك ما تزال حكومة سيريزا تواجه جبلا هائلا من الديون التي يطالبه الحزب الشيوعي اليوناني بعدم دفع أي شيئ منها ، فما هي تبعات عدم الدفع على اليونانيين العاديين ..؟؟
يجيب على هذا السؤال الاقتصادي الأمريكي التقدمي مايكل هدسون استاذ الاقتصاد في جامعة ميزوري الأمريكية فيقول** : لن تكون هناك أية تبعات على الناس العاديين انهم لن يدفعوا لصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الاوربي اية أموال ، لأن الأموال التي يطالب بها هؤلاء عبارة عن نقود ورقية لاقيمة لها. لكن البنك الأوربي يقول ومع اننا لا نحتاج لتلك الأموال لكننا سنسبب لكم أزمة مصرفية واذا لم تلتزموا بما نطلبه منكم سنعمل على خرابكم. ان عدم دفع الديون معمول به في التجارة وعمل به في أمريكا اللاتينية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي وفق ما عرف بخطة Brady Plan. . ومن الناحية الاقتصادية لايمكن دفع تلك الديون وانه من غير الانسانية ان تدفع بلدا مكبلا بديون عظيمة هو غير قابل على دفعها. فالمانيا مثلا طالبت اليونان بالبدء ببيع الجزر اليونانية وهي نفسها ألمانيا أعفيت من دفع كل ديونها من قبل الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية.،بعبارة أخرى ما تطالب به الثرويكا من الحكومة اليونانية الحالية هو بيع الأمة اليونانية.
وحول ما هو الخيار بعد الاستفتاء الذي سينتفع به اليونانيون العاديون فيما لو صوتوا بـلا..؟؟ أجاب الأستاذ مايكل هدسون : ما تطلبه الثرويكا هو تماما كالحرب. انهم يطالبون اليونانيين العاديين أن يكونوا عبرة للدول الأخرى مثل اسبانيا والبرتغال ، منطقة اليورو في مأزق حاليا. وكان سيريزا قد قال للأوربيين اسمعوا ، اننا لا نكافح من أجل اليونان فحسب ، بل من اجل كل أوربا وما نسعى له هو انقاذ أوربا من التقشف. ومن أجل أن يكون دور بنوكها المركزية خلق النقود من أجل الانفاق على تنمية الاقتصاد وتطويره. نريد بنكا مركزيا لا يمنح الأموال لأصحاب المصارف ، بنكا مركزيا يدفع للحكومة لاعادة بناء اليونان ، ونحن نريد أن نبقى في اليورو للقيام بكل ذلك.
علي الأسدي 4715
*- The Independent , 4/ 7 / 015
** Greece : On Behalf of Europe, Michael Hudson and William Black, The Real News Net Work, 30/6/2015